افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة
ربما كانت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن “سلطة ومصداقية مجلس الأمن الدولي تم تقويضها بشدة بسبب تأخر تحركه لوقف الحرب على غزة” جريئة للغاية في ظل هيمنة واشنطن وحلفائها على قرار المنظمة الدولية وسطوتها على أجهزتها، ولاسيما أن بعض من سبقوه في الأمانة العامة قد دفعوا الثمن غالياً حين تجرؤوا وتخطوا الخطوط الحمر، وانتقدوا “إسرائيل” أو أميركا أو وقفوا إلى جانب الشعوب المنكوبة بسياسات الغرب.
“العالم الحر، الذي يتمنى للأمم المتحدة دوراً أكبر في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، تنفيذاً لميثاقها والأهداف التي أنشئت من أجلها، كان سيصفق لـ “غوتيريش” أكثر، ويصفه بالأكثر جرأة، لو وضع أصبعه على الجرح وقال: “إن واشنطن هي التي قوضت مصداقية مجلس الأمن.”
ولكن العالم الحر، الذي يتمنى للأمم المتحدة دوراً أكبر في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، تنفيذاً لميثاقها والأهداف التي أنشئت من أجلها، كان سيصفق لـ“غوتيريش” أكثر، ويصفه بالأكثر جرأة، لو وضع أصبعه على الجرح وقال: “إن واشنطن هي التي قوضت مصداقية المجلس، وإن استخدامها لـ“الفيتو” ضد قرار يدعو لوقف إطلاق نار إنساني في غزة هو الطامة الكبرى في عالم الأحادية القطبية وعالم الهيمنة على الأمم المتحدة وقراراتها”.
اقرأ أيضاً: ورقة للصين حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: مفاوضات لحل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية
وبعيداً عن جرأة “غوتيريش” من عدمها، فإن الحقيقة التي تشي بها كل الوقائع على الأرض هي أن مجلس الأمن الدولي أصابه الشلل، لأن واشنطن وحلفاءها يريدونه أداة طيّعة بيدهم، ينفذ أجنداتهم، ويلغي أي توجه عالمي لإحقاق حقوق الشعوب، ووسيلتهم في ذلك “الفيتو”، الذي أصبح سيفاً مسلطاً على كل من يعارض سياساتهم ومخططاتهم في العالم.
ولنا فيما يجري في غزة، من قتل إسرائيلي للأبرياء، وإرهاب موصوف، وانهيار للنظام الإنساني، وتدهور للأوضاع بعد قصف المشافي وتدمير البنى التحتية، وتحول القطاع بأكمله إلى منطقة منكوبة بكل المقاييس بعد ما حلّ به من دمار هائل، وعجز مجلس الأمن عن فرض سلطاته، التي أقرها في ميثاقه، وتحوله إلى الاتجاه المعاكس عبر “الفيتو” الأميركي، لنا في كل هذا خير شاهد.
“إدارة بايدن هي شريكة مباشرة في المجازر التي ترتكبها “إسرائيل” وشريكة بنسف الحل للقضية الفلسطينية، وشريكة في محاولات طي ملف العودة، لا بل وتهجير الشعب الفلسطيني بكامله.”
باختصار لأول مرة يدعو الأمين العام للأمم المتحدة إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن بعد أن وجّه رسالة إليه استخدم فيها المادة “99” من ميثاق المنظمة الأممية التي تتيح له “لفت انتباه” المجلس إلى ملف “يمكن أن يعرّض السلام والأمن الدوليين للخطر”، وذلك في أول تفعيل للمادة منذ عقود، لكن وبدلاً من فرض عقوبات على كيان الاحتلال وعدم السماح له بالاستمرار في إرهابه وجرائمه ومجازره وانتهاكه للقانون الدولي والقانون الإنساني وقرارات مجلس الأمن، فإن “الفيتو” الأميركي كان له بالمرصاد، في تحدٍّ صارخ للعالم وانتهاك واضح للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وفي حالة مكررة للصلف والغطرسة الأميركية التي اعتاد عليها العالم منذ عقود.
وباختصار أيضاً فإن “الفيتو” الأميركي يعني أن إدارة بايدن هي شريكة مباشرة في المجازر التي ترتكبها “إسرائيل” وشريكة بنسف حل القضية الفلسطينية، وشريكة في محاولات طي ملف العودة، لا بل تهجير الشعب الفلسطيني بكامله، وأما تصريحاتها المضللة حول ما تسميه “حق إسرائيل بالدفاع عن النفس” فليس إلا ذراً للرماد في عيون العالم، وممارسة المزيد من النفاق، وكأن أطفال غزة هم من يقتلون المستوطنين وليس العكس.
ويعني أيضاً أن واشنطن خرقت كعادتها أهم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وهو مبدأ حماية حقوق الإنسان، وسيبقى هذا “الفيتو” نقطة سوداء في سجلها المتخم بالسوداوية والإرهاب وقتل الشعوب.
اقرأ أيضاً: بلفور.. بايدن على خطاه بوثيقة مسرّبة!