وها هو عام آخر قد حزم حقائبه وبات على وشك الرحيل، غير آبهٍ بكل ما فعلت أيامه ولياليه بنا.. تاركاً في قلوبنا الكثير من الآلام بلا دواء.. والأوجاع بلا مسكنات.. والغصات بلا تهدئة.. ويرحل بائساً مُتّكئاً على عكّاز مكسور.
فأعداء سورية استمروا بإصرارهم على وحشيتهم كي نبقى وكأننا خارج هذا العالم، بحصارهم الخانق لنا، وعقوباتهم الجائرة علينا، ونهبٍ لثرواتنا، وتعطيلٍ لأراضينا، فكلنا يلمس نتائج احتلال منابع النفط والغاز، وكيف تحولنا من الوفرة في المشتقات النفطية إلى شحٍّ كبير صارت فيه حركة السيارات هماً وغماً، فازدادت تكاليف النقل واشتدّت حدّة أزمته.. وكيف نعيش أزمة كهرباء غير مسبوقة، نتيجة نقص الوقود لتحريك العنفات في محطات التوليد، التي بات أغلبها كجثثٍ هامدة لا روح فيها ولا حراك.. وهم ينهبون نفطنا على مرأى العالم، ويحيّدون منابعه التي كانت تكفينا، وبدلاً من نعيم توفره، صار عبئاً ثقيلاً على البلاد وخزينته نتلقّفه من هنا وهناك.
وكلنا يلمس أراضينا شرق الفرات، المُحيّدة أيضاً عن الإنتاج والعطاء، وهي السلة الغذائية والإنتاجية الأهم في سورية، فعبر تلك الأراضي كنا ننتج نحو خمسة ملايين طن من القمح، ونحو مليون طن من القطن، أي بما يكفي حاجة البلاد وأكثر، كنا نطحن قمحنا.. وننتج رغيفنا من غلال أرضنا.. نحلج قطننا ونغزله ونصنع ملابسنا من رحم تلك الأرض، أما اليوم فنلهث وراء منتجي القمح والقطن لنستورد حاجتنا.
وهذا كله في إطار إصرارهم على أن نكون كما لا نريد، ونقتنع بما يريدون، لنتحوّل من سادةٍ لأنفسنا وقراراتنا إلى عبيدٍ لهم يُقررون عنّا ونسير كيفما يشاؤون، أي باختصار يريدوننا أن ننتحر وحسب.
كما حطّت على سورية مصائب مروّعة منذ بدايات هذا العام الراحل، تمثّلت بذلك الزلزال المدمّر الذي ضرب في اللاذقية وحلب وحماة.. راح ضحيته الآلاف، بعد أن تحطمت البيوت على ساكنيها، وتشرّد آلاف آخرون.
للعدالة والإنصاف نعترف بأن الحكومة حاولت بجد وفاعلية تطويق هذه المآسي، فبقي القمح متوفراً ولم ينقطع الخبز يوماً، ولا القطن أيضاً، فقد استمرت مغازلنا بالعمل، ولكن مع هذا بقيت الكثير من الأساسيات خارج السيطرة، ولم تقوَ الحكومة بعد على إدخالها في ذلك الطوق، ولعل أبرزها سوء الحالة المعيشية، وجنون الأسعار، لنغوص في مستنقع تضخمي مترامي الأطراف يلتهم مداخيلنا بلمح البصر، وهذا لم يكن لائقاً أن يستمر، ونحن كمواطنين على قناعة بأن الحكومة القادرة على مجابهة الحصار والعقوبات لهي قادرة أيضاً على خلق الحلول واجتراحها وتحسين أوضاعنا المعيشية، فهذا ما تَعِد به هي دائماً.. وهذا ما نأمل حصوله في هذا العام الجديد القادم إلينا بعد أيام بعكازه القوي.. وعساه يبقى قوياً ولا ينكسر.