الثورة – غصون سليمان:
“أنا في حلم ولا حقيقة”.. تسأل الطفلة الفلسطينية المثخنة بالجراح التي زرعت وجهها وجسدها من جراء الحقد الصهيوني الذي تفوق في وحشيته وهمجيته على إنجاز البشرية جمعاء لقرون من الزمن.
أحلام بريئة لم تكبر بعد في خريطة التراب المقدس الذي عمدته دماء الطفولة والكهولة والشباب والنساء والرجال في مواجهة آلة القتل والدمار الصهيونية.. أطفال فلسطين المحتلة أسطورة الحضور والعبور لكل القيم الوحشية التي جسدها ويجسدها الكيان الغاصب، لكن عيونهم الشاخصة كانت ومازالت وستبقى شاهدة على تواطؤ الغرب الشريك في سفك الدم الفلسطيني المدافع عن حقه وترابه، شواهد لا تمحوها ذاكرة ولا يمكن لها أن تسقط بالتقادم، فكل جيل من أبناء الصمود يتمسك بهويته أكثر فأكثر على الرغم من رهان الكثيرين على نسيان القضية.
وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلاً في الانتفاضة الثانية لأبناء الشعب الفلسطيني البطل، من يتذكر ذاك الطفل الفلسطيني الشجاع فارس عودة وهو يتصدى لدبابة إسرائيلية بحجارة فلسطين العنيدة الشاهدة على إجرام وإرهاب العدو الغاصب.
فارس عودة ذاك الطفل البطل الذي أغضب جنود الاحتلال المدججين بالسلاح مراراً والمحصنين بفولاذ الآلات، كان يرشقهم بحجارة آبائه وأجداده، باليد تارة وبالمقلاع تارة أخرى حيث كان الأمضى في أيدي أطفال الحجارة، التي لم يكن يمتلكون سواها وعلى الرغم من ذلك كانوا يلاحقونه وبقية الأطفال بالمصفحات والرشاشات الثقيلة.
هو نموذج لأطفال فلسطين في قطاع غزة والضفة الغربية وسائر الأراضي المحتلة الذين تخشاهم إسرائيل، وتسعى لقتلهم على مدار العام، فهم عدة الصمود والنضال والكفاح، وهم أمل فلسطين في التحرير واستعادة الحقوق مهما تجبر الكيان الغاصب الذي لا تعنيه حرمات الأيام والشهور، ولا يأبه لأعياد الميلاد ولا لطفل المغارة يسوع عيسى بن مريم عليه السلام.
لقد حول العدو الإسرائيلي، ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لكل صنوف الإرهاب، ضياء الحياة في فلسطين المحتلة إلى جهنم الموت في الأحياء والمباني والمدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء.. شهداء بالعشرات كل ساعة ودقيقة، فعداد آلة القتل لا يتوقف، مقدماً صورة من أبشع الصور لوجه وحقيقة الكيان القبيح، حيث القائمة تطول وتزداد لشهداء الطفولة والنساء والأمهات والمرضى والجرحى الذي يقوى العدو المجرم على الشعب المحاصر والأعزل في قطاع غزة، في وقت يصعب عليه مواجهة المقاومين الأشاوس الذين يواجهون كل يوم صلف المحتل بأساليب قتالية جديدة يصعب على الجلاد الصهيوني ترجمة إرادته في القدرة على الصمود والمواجهة في النقطة صفر وغيرها.
فمن يمتلك إرادة القتال الوطني ضد كيان إرهابي مجرم في هكذا ظروف، وبمعايير غربية مزدوجة تمنح الجلاد صك القتل وتشرعن له استباحة كل محرمات الشعب الفلسطيني، لابد لهذا الشعب الصامد أن يكسر قيد المعتدي ويدحر ليله الطويل وينتصر بالإرادة والعزيمة والإيمان بقوة الحق.
طوبى لفلسطين الجريحة التي تنفض عن كاهلها وجع السنين.. على الرغم من حجم التضحيات والإبادة الجماعية على مرأى العالم وضميره النائم.