ثورة أون لاين – خالد الأشهب:
ليس من عادة الدول المتحاربة على مر تاريخ الصراعات والنزاعات أن نشرت إحداها صور طياريها الذين نفذوا مهمات قصف وتدمير في حياض الدولة الخصم , وذلك لأسباب كثيرة أقلها أمنية تحاول الحفاظ على حياة أولئك الطيارين من انتقامات شخصية أو فردية ربما , وأكثرها أسباب سياسية تحاول القول أن المهمات العسكرية إنما هي توجيهات سياسية أولاً من قيادة سياسية عليا يفترض أنها تتحمل مسؤولية ما يقوم به الأداء العسكري المنفذ !
غير أن ما فعلته وتفعله بعض « القيادات السياسية « الخليجية اليوم , من نشر صور الطيارين السعوديين والإماراتيين الذين شاركوا معلميهم الأميركيين , في الموجة الأولى من القصف الجوي الأميركي الذي استهدف مواقع سيطرة « داعش « في الأراضي السورية , إنما يدعو إلى التساؤل والحيرة في محاولة تفسير الأهداف والغايات التي سعى إليها هؤلاء من وراء نشر صور طياريهم المشاركين .. وبينهم امرأة إماراتية وأميران سعوديان من آل سعود , وخلع ألقاب البطولة والشجاعة عليهم كما لو أنهم حرروا قدس الأقداس ومسرى النبي ومعراجه ؟
قبل يوم واحد فقط من تنفيذ الغارات الأميركية ومشاركة الطيارين الخليجيين فيها … إذا كانوا قد شاركوا حقاً , كان قراء النيوزويك الأميركية لا يزالون يضحكون من مزاح يتداوله الخبراء الأميركيون في قاعدة الظهران السعودية الجوية ونقلته النيوزويك , بأن الطائرة الوحيدة التي يستطيع الطيارون السعوديون التحليق بها دون مساعدة خارجية هي تلك الطائرة التمثال المثبتة عند مدخل القاعدة !!
إذاً , قد يكون نشر صور الطيارين الخليجيين المشاركين أتى في سياق رد سياسي خليجي مبرمج على دعابة النيوزويك وإفحامها , لكن فرصة هذا الاحتمال ضئيلة جداً نظراً لسرعة الرد القياسية خلال أربع وعشرين ساعة فقط , والتي يعجز الأميركيون أنفسهم عن برمجته بها.
وقد يكون النشر أتى في سياق رد أميركي ذاتي مدروس أيضاً لترضية الخاطر الخليجي الذي جرحته النيوزويك بدعابتها الثقيلة مع أنها صحيحة . لكن قارئاً حصيفاً وملماً لما جرى سوف يدرك دون عناء كبير أن الأرجح في نشر صور الطيارين الخليجيين أولئك إنما هو محاولة بائسة يائسة وتعيسة للتنفيس عن عقدة نفسية ومركب نقص مستحكمان أصلاً في الشخصية الخليجية عامة والسعودية خاصة تجاه العلم والتقنية والحضارة .. رغم كل ما انطوت عليها المحاولة من انحطاط أخلاقي غير مسبوق في أن « بطولة وشجاعة « هؤلاء الطيارين إنما استهدفت أرضاً عربية شقيقة !
ومع أن مسؤولاً داعشياً عقب على نشر الصور تلك بتغريدة على تويتر تقول : « وبشرهم بالذبح إن عاجلاً أو آجلاً « .. ومع أن الأرض التي استهدفها الطيارون الخليجيون بقصفهم هي أرضنا السورية التي نقدسها , إلا أننا نأسف لما ذهبت إليه الدوائر الخليجية السياسية في التطبيل والتزمير لعنتريات دونكيشوتية فارغة عبر نشر الصور , ونعيد تصويب المشهد بمجموعه باتجاه الحفنة العفنة من حكام الخليج عامة وآل سعود خاصة , والتي تدير هذه السياسات أو تنفذها بطيش ورعونة وجهالة عمياء , لأنهم هم من يستحقون الذبح إذا كان لابد من الذبح , وهم من ينبغي أن تدك عروشهم وأن تقض مضاجع فسقهم وفجورهم ؟