تتلاشى مناهج الجامعات وتضمحل، من كتاب متكامل – ذي هيبة – إلى بضع وريقات يطويها الطالب في حقيبته الصغيرة لتكون الندّ الهزيل للامتحان الوشيك.
في المكتبات والأكشاك وعبر تقنيات الموبايل.. يتم تداول “أيقونات التعليم الجديد” .. هذه هي معظم المقررات في جامعاتنا العامة والخاصة أيضاً، فأين غاب الكتاب الجامعي الذي نعرفه جميعاً..أين اختفى؟
تعتمد الجامعات الحكومية – كجامعات وكليات وليس أساتذة – على مقررات قديمة، بعضها تم تأليفه منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتمت طباعته على الآلة الكاتبة القديمة، أي قبل تعميم استخدام جهاز الكمبيوتر و الطباعة الضوئية والليزرية، لكنه بقي مقرراً كمادة علمية ملزمة للطلاب..لكن لا الطالب وجد فيها ضالته ولا الأساتذة الجدد وجدوا فيها المعارف التي تليق وينشدها طالب في عالم يتطور كل يوم.
والمشكلة أن غالبية الجامعات الخاصة لجأت إلى مناهج الجامعات الحكومية، لأن الأساتذة العاملين فيها هم من أساتذة الجامعات الحكومية، وبذلك تم تعميم مشكلة اسمها الكتاب الجامعي أو لنقل المقرر الجامعي، بما أن التوجه اليوم نحو الكتاب الالكتروني كبديل للورقي.
سبب هذه المشكلة بدقة، هو البدل المادي المخجل للتأليف، فمازال الأستاذ يتقاضى مايعادل ثمن بضع سندويشات فلافل مقابل تأليف مقرر جديد، يضعه بتصرف الجامعة كلياً أي يصبح الكتاب ملك الجامعة لا ملك الأستاذ، بالتالي أحجم جميع الأساتذة واعتذروا عن التأليف، وهذه المشكلة ليست وليدة السنوات القليلة الأخيرة، بل هي مزمنة..مشكلة اسمها تدني البدل المادي لتأليف الكتاب الجامعي.
بالنسبة للجامعات الخاصة لم تتصد لحل هذه المشكلة رغم ملاءاتها المادية الكبيرة والأجور التي تدفعها للأساتذة والمدرسين، وهذا غير مفهوم السبب، كما أن أحداً لم يلزمها بذلك، وهي لن تبادر لأنها عبارة عن حالة استثمارية ربحية قبل أن تكون ذات غايات علمية خالصة.
على العموم لابد من حل لهذه المشكلة والخلل البنيوي الواضح..وأمام وزارة التعليم العالي والحكومة خيارات ليست معقدة للحل، أبسطها المبادرة إلى تعديل جريء على النصوص الناظمة لعملية تأليف الكتاب الجامعي، وقد يكون من المفيد أن تساهم الجامعات الحكومية في العبء المادي الناتج عن التعديل.
الآن هو الوقت المناسب لمثل هذه المبادرة، بما أن بعض الجامعات الحكومية تتجه نحو الكتاب الالكتروني، فهل تفكر هذه الجامعات بتحميل الكتب البائدة الكترونياً أم ستنتج كتباً جديدة.. بالتأكيد سترجح كفة الخيار الثاني.
ولابد من البدء فوراً بورشة تأليف حقيقية لاستدراك هذا الخلل الخطير، ولو بدأنا اليوم سيستغرق إنجاز المهمة سنوات، فماذا ننتظر؟.
نهى علي