الثورة – رشا سلوم:
لأن الرواية فن الحياة، أو هي بصيغة أخرى صفحة من حياة يعيشها أبطال الرواية، سواء أكان لهم وجود في الحياة الفعلية أم أنهم من ابتكار وخلق المؤلف، لكنهم صاروا حقيقة في الخيال، فكم من رواية مازالت عالقة في الأذهان من خلال شخصياتها.
من ينسى زيطة صانع العاهات عند نجيب محفوظ، أو سي عبد الجواد، أو غيرهم ..
من لايزال يحتفظ بشخصيات رواية نهاية رجل شجاع ..أو غيرها.
في الأدب الروائي العالمي الكثير من الشخصيات التي أصبحت أشهر حتى من مؤلفيها.. جان فالجان ومدام بوفاري.
ومن أشهر الشخصيات في الأدب الروسي العالمي آنا كارنيننا التي كتب عنها الكثيرون ومنهم الناقد العراقي
جودت هوشيار الذي كتب قائلاً:
(كلما ضقت ذرعاً بالروايات العربية السمينة المترهلة، “ألجأ إلى قراءة الروايات الكلاسيكية، التي اجتازت امتحان الزمن، وظلت شامخة إلى يومنا هذا، وفي مقدمتها رواية “آنّا كارينينا” لليف تولستوي، لا أدري على وجه التحديد كم مرة قرأت هذه الرواية العظيمة؟ في المرة الأولى– وكان ذلك منذ زمن بعيد– قرأتها بمتعة ذهنية وروحية لا توصف. وفي المرات اللاحقة كنت أتأمل معمار الرواية، وكيف كتبت، وكيف تسنى لرجل (تولستوي) أن يعبر بعمق وقوة عن أدق أحاسيس ومشاعر وأفكار امرأة شابة تنوي الانتحار؟، وهي بطلة الرواية “آنّا كارينينا”. لأن ثمة اختلافات هائلة بين طبيعة المرأة وطبيعة الرجل. هذا واقع لا ينكره إلا من لا يميّز بين الطبيعتين.
آنا كارينينا من ألمع الشخصيات الأنثوية في الأدب العالمي وأكثرها عمقاً وتألقاً.
كتب تولستوي هذه الرواية بين عامي (1873- 1877) ونشرت لأول مرة على حلقات بين عامي (1877-1875) في مجلة “روسكي فيستنيك” المرموقة، وأحدثت ضجة هائلة، وأشاد بها أشهر الكتّاب الروس، وفي مقدمتهم فيودور دوستويفسكي، الذي وصف تولستوي بـ(إله الفن)، ثم نشرت في كتاب من جزئين، وترجمت الى حوالي 45 لغة أكثر من مرة.
ترجمت الى الإنجليزية أربع مرات، والى الألمانية ثلاث مرات، وبلغ عدد طبعات الرواية في شتى بلاد العالم أكثر من (700) طبعة. وأخرجت سينمائياً ومسرحياً وتلفزيونياً عشرات المرات في روسيا وألمانيا وفرنسا وايطاليا وأميركا، كما حولت إلى باليهات وأوبريتات. ومن الطريف أن نذكر أن ابنة آنّا من عشيقها فرونسكي أصبحت الشخصية الرئيسية لعدد من الروايات الحديثة.
وكتبت عن هذه الرواية العديد من الأطروحات العلمية والدراسات، ناهيك عن المقالات النقدية لتي لا تعد ولا تحصى لكثرتها.
لا تضيّعوا وقتكم الثمين في قراءة الروايات البدينة المترهلة، بل ارجعوا إلى الكلاسيكيات فهي منبع الفن الأصيل).
فعلاً إنه امتحان الزمن فهو الذي يعطي الرواية خلودها أو عدمها.