ظاهرة «المؤثرين».. هل أصبحت حلم هذا الجيل؟ الدكتورة سلوى شعبان لـ «الثورة»: مايروج عبر وسائل التواصل الاجتماعي يخترق خصوصية المجتمع
الثورة _ علا مفيد محمد:
كثير من الأحيان ما يمر على مسامعنا مصطلح الأشخاص المؤثرين الذي يطلق على كلّ مؤثري السوشيال ميديا، فمنهم من يستخدم السناب ومنهم الانستغرام وقنوات أخرى، فقد ساعد التطور التكنولوجي والشعبية التي حظيت بها وسائل التواصل الاجتماعي في ظهور العديد من الوظائف غير المعروفة لدى الأجيال السابقة مثل صانع المحتوى والبلوغر.
وبالتالي لم يعد غريباً أن نرى أطفالاً يبلغون من العمر 14عاماً يتابعهم الملايين ولديهم حسابات موثقة تدر عليهم ايرادات بمئات الآلاف من الدولارات، ونسبة كبيرة من متابعيهم مستعدين لترك وظائفهم والعمل في صناعة المحتوى الالكتروني في حال ضمن لهم دخلاً يوفر احتياجاتهم.
الطفل جعفر البالغ من العمر 10سنوات يتابع يومياً وباهتمام أحد الشخصيات المؤثرة على انستغرام وهو بلوغر سوري مشهور من مدينة اللاذقية بلغ عدد متابعيه حتى الآن ٧ ملايين متابع.
يقول جعفر: أحبّ متابعته دائماً لأن محتواه كوميدي كما أنه يسافر حول العالم ويصور لنا تحديات وتجارب مثيرة مضاف إليها شيء من الطرافة وأحلم حين أكبر أن أعمل مثله كي يكون لي اسم مشهور كما يمنحني هذا العمل أي (البلوغر) نقوداً كثيرة تساعدني على السفر وتقديم محتوى مهم وناجح.أما الآن وأنا في عمري الحالي أطمح لفتح قناة على اليوتيوب تختص برياضة “الفوتوبول” وهدفي من وراء ذلك تعليم اللاعبين المبتدئين ممن يرغبون في تطوير مهاراتهم أساسيات اللعب من خلال التحديات والمسابقات التي ستجذب أكبر عدد من المتابعين وبالتالي إيراد كاف يمكّنني من تطوير قناتي أكثر عندما أكبر.
إحدى الفتيات ذات ال 30عاماً تقول: أتابع أحد الإعلاميين على انستغرام، محتواه متنوع حيث يعرض كل ما هو جديد في عالم الفاشن والصحة والأكل بطريقة ممتعة جميلة ومريحة، أما باقي البلوغرز من الفتيات أتابعهن من باب الملل و الفضول، فهن يعرضن يومياً حياتهن الخاصة و جولاتهن في المطاعم والمحال ومراكز التجميل الجديدة، وفي هذا السياق تعاني أم فرح من ابنتها التي تأثرت إلى حدّ كبيربما تشاهده في حياة البلوغرز فأصبحت تريد تقليدهن وتتأفف من حياتها إذا ما استطاعت العيش مثلهن.
إيجابية وسلبية التأثير
ولمعرفة حقيقة هؤلاء المؤثرين وسبب قدرتهم على شدّ المتابعين التقت «الثورة» الدكتورة سلوى شعبان الباحثة في الشؤون النفسية والاجتماعية التي أوضحت أن المؤثر كما يعرفه الغالبية هو شخصية اعتبارية قيادية لها مكانتها وقيمتها وتأثيرها بالمجتمع وبمن حولها كأشخاص قدّموا للبشرية الكثير من الخدمات والإنجازات، بالعلوم والتكنولوجيا، والطب، والرياضيات، والقانون، والتجارة والصناعة، والأدب والفكر ..ولربما كان شخصاً عارفاً دينياً أو اجتماعياً له الكلمة الفصل في مشكلات الناس.
إلا أنه منذ وقت ليس بالبعيد انتشرت ظاهرة سميت ظاهرة (المؤثرين) الذين يعرضون تفاصيل حياتهم اليومية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويحصدون ملايين اللايكات والتعليقات لمجرد مشاركة الجميع من المتابعين لهم خصوصياتهم ومايحصل معهم يومياً وبجميع المناسبات الحزينة والسعيدة.
وفسرت الدكتورة شعبان أسباب متابعتهم من قبل الكثيرين بأن الإنسان بطبعه لديه حب الإطلاع والتطفل للمعرفة وملاحقة الأخبار وكلّ ماهو جديد حوله، وربما بسبب الحشرية والظروف والأوضاع المعاشة والضغوطات التي تعيق ممارسة حياتنا بشكل سلس وطبيعي مريح كانت متابعة هؤلاء كنوع من أنواع التسلية وتضييع الوقت وملء وقت الفراغ ،فهناك دراما واقعية تصلنا ونحن نحمل هواتفنا الجوالة أو أجهزتنا اللوحية أينما كنا. والملاحظ -بحسب رأي الدكتورة شعبان- أن الأكثر متابعة هم من الجنس اللطيف اللواتي أصبحن بطلات لهذه العروض والدراما المتنقلة، ومعظمهن يتم استغلال أسمائهن للترويج لمنتجات وماركات تجارية أو طبية أو أسماء جمعيات وأنشطة إنسانية تلحق بالأعمال الخيرية، وأشارت شعبان إلى أن هذا الشخص (المؤثر) حياته لا تشبه حياة المتابعين له وبالرغم من أنها قد تكون سخيفة جداً لا معنى لها يتخللها تخل عن الأدب والقيم الأخلاقية وتروج لأشياء بعيدة عما تربيناه وعشناه، وهذا حال الغالبية منهم. إلا أن مانسمعه عن حصد المبالغ المادية الكبيرة من قبل هؤلاء عن طريق العروض والمراهنات والدفع والتشجيع جعلهم ملفتين للعناية والاهتمام من هذا الجيل الصاعد الذي مازال يأخذ مصروفه من والديه, وبالتالي قد يكون السؤال بسريرة تفكيره لماذا لايكون ملهماً ومؤثراً كما يفعل فلان وفلانة؟ فهم ليسوا أفضل منه وليسوا بشطارته ومقدرته بالحركات والضحكات والسخف أو بعرض مشاكله والتقليل من أهمية وجود الأسرة وقدسيتها والحفاظ على أسرارها وخصوصياتها, وقد يشارك محتواه بعرض والديه وإشراكهم بما يعرضه بالبث المباشر له أو جديه العجوزين لإضحاك الناس على كلامهم وتصرفاتهم.
ولفتت الباحثة النفسية النظر والانتباه إلى أنه من المخيف جداً رؤية المراهقات والمراهقين وهم يخضعون لعمليات تجميل وتشويه لبراءتهم تكلفتها ملايين الليرات، ليبقى السؤال مفتوحاً حول، كيف يتم الدفع؟ومن يشجع ؟ من هي الجهات الخفية التي تحرص على تشتيت ثوابتنا وقيمنا الأخلاقية ؟
حتى الصغار
ناهيك عن أطفال صغار بالمدارس أصبح شغلهم الشاغل لعقولهم وتفكيرهم مطالبة أهاليهم بإحداث قناة على اليوتيوب لهم لمجرد أن أحد اصدقائهم لديه قناة ويقوم عبرها ببث فيديوهات ونشر مايريد عن حياته ليصبح مشهور.
نتائج مدمرة
وللأسف هنا تضيع الطفولة والبراءة ويكون التقصير الدراسي والفكري والأهل مشاركين بذلك، متناسين الخطورة اللاحقة التي ستدمر هذه الأجيال التي تستخدم عالم الانترنت بأسلوب مبتذل رخيص ، فالعديد من الأطفال نراهم بعد منتصف الليل يقومون ببث مباشر وهم بغرف نومهم وضمن أسرتهم سواء كانت الأسرة نائمة أم مستيقظة دون دراية بما يفعل هذا الطفل، ومع من يتواصل،من يدعمه، ماذا يطلبون منه؟!.
وتؤكد الدكتورة سلوى أننا سنحصد الدمار القادم لعقول أجيال المستقبل إذا لم نستطع التدخل والاهتمام والمراقبة، فمجتمعنا بدأ يفقد خصوصيته وصفاته التي كانت حافظة وداعمة له بالتماسك والقوة والأخلاق والرقابة الأسرية وسلطة الأبوين التي لاتخترق والتي تمتلك الحزم واللين بالتربية والمراعاة والنصيحة ،حتى لو كان الأبناء أكبر عمراً، فكم من بيت تدمر بسبب طلاق الأزواج فنرى الزوج يبحث عن بطلة مؤثرة ممن يعرضن حياتهن للناس أو شبيهتها، فزوجته تغيرت عبر الحمل والولادة وتربية الأولاد وعمل المنزل، ولم تعد تعجبه بصفاتها الخارجية وتضاريس جسدها التي تغيرت؟ وكم من زوجة تركت مسؤولياتها وزوجها وأطفالها وحلمت بالعيش كهؤلاء المؤثرات ولحقت الموجة الهائجة من شهرة وتعليقات وغزل وإطراءات وإعجابات وهمية خربت حياتها ودمرتها ؟؟.
وتتابع الدكتورة بقولها: هل تساءلنا مرةً.. هل هم سعداء كما نراهم؟ هل هم جميلو الهيئة بالشعر والتسريحة والمكياج كما نراهم وبكل الاوقات ؟؟ بالنهاية هم أشخاص عاديون وأقل من ذلك ويكاد معظمهم، لا قيمة لهم بمجتمعهم ، بل بالعكس يروجون وعبر الحرية المعطاة لهم من دون رقيب بهذه الوسائل لأفكار شاذة عن أخلاقنا وأعرافنا.
و بينت الدكتورة شعبان بنهاية حديثها أنه لا أحد ضد وسائل التواصل الاجتماعي، ولا ضد التحصيل المادي، بل على العكس لو وظفناها بطريقة سليمة مدروسة لكنّا المتحكمين بها دون إضاعة الوقت. وبتقديم المحتوى المفيد بما يحافظ على المبادىء، أي نبحث عن المعلومة المفيدة، نشارك بأبحاث ومعارف وعلوم ، نجدد معلوماتنا وأفكارنا ونغني جوهرنا، نعرض تراثنا وعاداتنا التي تربينا عليها ونحن فخورون بذلك .فالإنترنت وجد لخدمة الإنسان ومساعدة الأجيال لنهضة مجتمعاتها وتقدمها، بغية تحقيق السرعة في التواصل، واختصار المسافات والوقت ، لا لتدميرها والقضاء عليها.
لذلك علينا الحذر ثم الحذرفما يروج ليس بحضارة أو تطور كما يزعم بعض الأغبياء والمدافعين عن هذه الظاهرة بل هو الهلاك بحدّ ذاته.