الثورة – رنا بدري سلوم:
بين الأم والخالق دعوة نافذة، فهي يدُ الخير الممّتدّة إلى السماء وميّارة الخصب، تعجن من سنابل حبّها أرغفة حياة لتطعم من حولها، الأم طيف حائم لا يغفو، يحرس أحلام العمر، الأم لمسة شافية لجراح القهر، ولا نستطيع أن نذكر الأم إلا وترنو عيوننا إلى الأم الفلسطينيّة الصامدة الشاكية لوجه الله صبراً ونصراً والتي تخيط جراحاتها حكاية وطن.
ولنعلم أنّ في كل درب مخضّر، امرأة زرعت وسقت واعتنت فأنبتت قلوباً حيّة بعطر الأمومة، وخلف كل رجل شجاع هناك أم ربّت وسهرت وتعبت فكانت مصانع للرجال والأبطال، ووراء كل أنثى حالمة وقلبها الحاني أم تحتضن حدّ التّوحّد والانتماء، الأم وجود وإشراقة الحياة وغيابها حياة بلا لون، مخطئين إن ظنّنا أن الحبل السرّي بينها وبين أبنائها قد ينقطع، وكيف ينقطع، وهي سلسبيل الحبّ مهما قست عليها الدنيا وأبعدتها حقائب السفر، ومهما غدرتها السنون، ومهما بعدت عنها المسافات، ستبقى كآلهة الحبّ، تحت أقدامها تهب الأرض قداسة العطاء، فهي الأمّ المدرسة الأولى والكلمة الأولى والضحكة الأولى.
سنبقى صغاراً نتتبع ظلّها طالما أنّنا ننادي “أمّي” حتى لو بلغنا الكِبر، وإن رحلت جسداً ستبقى روحها في حبل وريدنا ينبض بذكراها كلما داهم قلوبنا الشّوق لذواتنا، فكل عام وأنتِ تعرّشين كخيرٍ وتهطلين غيثاً كآلهة مطر.