عندما ننظر إلى تطور العالم المعاصر نجد أن الأفكار الجديدة التي تنبثق في عقول الأفراد تلعب دوراً حاسماً في تشكيله، وتغيير وجهه إذ إنها ترسخ في ثقافات مجتمعاته، فتؤثر على الحياة بصورة عميقة وشاملة. وما يثير الدهشة هو قدرة بعض هذه الأفكار على تحقيق نجاحات تجارية هائلة، وتحقيق أرباح تصل إلى مستويات لا تصدق.
وعندما نتحدث عن الأفكار التي تأتي بالتريليونات لأصحابها، فإننا نشير إلى تلك النادرة، الثورية، والمبتكرة التي تصيب الهدف بدقة فائقة، وتحقق نجاحاً غير مسبوقٍ، وربحاً هائلاً لأنها تقدم حلولاً جديدةً، أو تعيد صياغة المفاهيم القائمة بشكل جذري… قد تكون في مجالات التكنولوجيا، أو الأعمال التجارية، أو الفن، أو العلوم، أو حتى الأدب.
من الأفكار ما يأتي إلى العقل كالموجات العاتية وهي تلامس كل جانب من جوانب الحياة، من أصغر تفاصيلها إلى أعظم مُعضلاتها، وكل فكرة تُولد أخرى، وكأنها بذور تنمو، وتزهر، وتثمر الجديد.. ومنها ما يغيّر العالم وهي تتدفق كالنهر الجاري، أو تلتهب كالنار لتشعل جذوة الإبداع. أفكار تتراوح بين البساطة والعمق، بين الواقعية والتخيّل، بين الحلول الممكنة، والتحديات الكبرى، وتتنوع مجالاتها من العلوم إلى الفنون، من التكنولوجيا إلى الفلسفة، من الأعمال التجارية إلى الأدب.. تعالج مشكلات العالم، وتلهم الأجيال الجديدة، وتسهم في بناء مستقبل أفضل للبشرية فتخلد اسم صاحبها، وتصبح علامةً فارقةً في مسيرة الحضارة الإنسانية.. ومنها ما هي ليست بعابرة بل إنها تأتي بالتريليونات من الأموال، مثيرة للدهشة، وبوابة إلى التغيير والتطوير، وما يتجاوز التوقعات.. إنها القوة التي تحرك العالم إلى الأمام.
لكن مثل هذه الأفكار تأتي مترافقة بمعاناة عظيمة في مواجهة التحديات، والصعوبات من أجل تحقيقها، وتحويلها إلى واقع.. فرحلتها طويلة، وشاقة لكنها مثيرة وممتعة في الوقت ذاته.
الاطلاع يعزز الإبداع والتجديد في الفن، وهو مفتاح التميز، والفن المعاصر بتوجهاته الحديثة يمكن له أن يلهم الفنان لابتكار أفكار فريدة، وجديدة.. فإذا كان الفنان يمتلك معرفة واسعة بالفن، فبإمكانه أن يخلق أعمالاً ذات قيمة فنية عالية تميزه عن الآخرين. كذلك تلعب الدراسة دوراً حاسماً في التقدم العلمي، إذ يمكن للعلماء والباحثين تطوير أفكارهم للوصول إلى اكتشافات جديدة تستطيع أن تملأ الفجوات التي تواجه البحث العلمي وتطبيقاته. أما المعرفة فإنها عنصر أساسي في تغذية الإبداع في الأدب لأنها تمنح الكتّاب والأدباء إطاراً ثقافياً، ولغوياً واسعاً بما يسهم في تنمية الخيال الإبداعي، وتوسيع آفاقه، وفهم القضايا الفلسفية والاجتماعية التي يمكن أن يتناولها الأدب.
لقد غيّر اختراع الهاتف طريقة تواصل الناس مع بعضهم بعضاً لتأتي شبكة المعلومات فيما بعد فتغيّر طريقة تبادل المعلومات بين الناس، وتقدم خدمات جديدة للمجتمع فساهمت تلك الأفكار المبتكرة في تطوير مختلف المجالات، مثل العلم والتكنولوجيا، والطب، والفن.
وحياتنا المعاصرة أصبحت مملوءة بالأفكار التي أتت بالتريليونات من الأموال في مجالات عدة وأهمها تكنولوجيا الذكاء الصناعي وابتكاراتها، وما أتاحته للآلة من إمكانات واسعة للقيام بمهام لا حصر لها ما جعل الشركات المنتجة تحظى بأرباح طائلة.. والحال ذاته مع التجارة الإلكترونية واستثماراتها الضخمة، وتكنولوجيا الاتصالات وتطبيقاتها اللامتناهية.. ومعها تطوير العلاجات الطبية والأدوية الحديثة، وبرامج التعليم عن بعد، والتعلم الذاتي، والابتكارات الصديقة للبيئة، وغيرها كثير.
على الرغم من أن هذه الأفكار قد تكون ملهمة ومدهشة، إلا أن بعضها يشكل تحدياً للمجتمعات المعاصرة فقوانين الربح قبل الخسارة تبدو واضحة في العديد من الصناعات والقطاعات، حيث يتم التركيز على تحقيق الأرباح الفورية والنجاح المادي بأي ثمن، وقد يكون لهذا التوجه تأثيره السلبي على الأخلاق، والقيم الإنسانية عموماً إذا ما تم تفضيل الربح على التنمية المستدامة مثلاً، أو الحفاظ على البيئة، أو العدالة الاجتماعية.
أفكار تأتي بالتريليونات لأصحابها بينما تؤثر على حياتنا المعاصرة فتغيّر وجهها، وتمهرها بقانون الربح قبل الخسارة.. وبما أنه لا يوجد حد لقدرة الإنسان على التفكير، والإبداع فإن الأفكار ليست أكثر من مجرد نقطة بداية للعقل البشري القادر على تحقيق المستحيل إذا أراد ذلك، ليعيد تشكيل العالم على نحو أفضل وأكثر تطوراً عندما يتجاوز القوانين الضيقة للربح المادي.
* * *