خلطة درامية بتوابل هندية

فؤاد مسعد
تقوم الحبكة الدرامية على صراع تتصاعد حدته وصولاً إلى النهاية، هو صراع بين الخير والشر في أحد أشكاله، وكلما زادت وتيرته كلما شكّل غنى للعمل ورافعة له، ولكن إلى أي مدى يمكن للكاتب الإمعان فيه والذهاب نحو الأقصى؟ هل هناك حدود ينبغي التوقف عندها أو مراعاتها على أقل تقدير؟ هل يحق للكاتب أن يختلق قصصاً فقط من أجل تصعيد روح الشر في عمله أكثر فأكثر؟ وهل يمتلك هذا الصراع شرعيته إن شذّ عن الخط الأساسي وبدأ يجنح وفق جنوح خيال الكاتب إلى أحداث تبدو مفبركة ومبالغ فيها حد الاصطناع، فقط من أجل تأجيج نار الصراع ورفع مستوى “التشويق والإثارة”؟..

ربما من أسهل الأمور التي يتصدى لها المؤلف الاحترافي كتابة أحداث مليئة بالشر وأن يُصعّد من حدة الصراع فيها لدرجة يُبحر عبرها في هذه العوالم إلى شواطئ بعيدة، بقصد زيادة جرعة التشويق واستنزاف مشاعر المتلقي لجذبه إلى العمل، والطامة عندما يسعى الكاتب إلى شده بشكل أكبر فيُقرن الشر بالعنف، كونهما وجهان لعملة واحدة.
وبالمقابل ربما من أصعب الأمور على الكاتب تحميل هذه الصراعات المتأججة لبوساً إنسانياً مقنعاً، يناجي دواخل المتلقي ويلامس أوجاعه الحقيقية، مقدماً شخصيات مركبة ومتلونة لكل منها عوالمها الداخلية الثرة.
هناك كتّاب يضعون خطوطاً متوازنة خلال حياكتهم للأحداث، ربما تميل الكفة إلى هنا أو هناك، ولكن حتى إن أوغلوا في طرح “الشر” فإنهم يبقون محتكمين لميزان داخلي وجرعات محسوبة كي لا يهبط عملهم في درك المخاطبة المجانية للمشاعر، وإنما يبقى الصراع في إطار درامي محبوك بعناية، مع إدراك الكاتب متى يصّعد الصراعات في حبكته بإطار يخدم الفكرة والهدف ومتى يفعل ذلك بشكل مجاني يصل حدّ الاستعراض ليس أكثر، وشتان بين الحالتين فالهوة واسعة بينهما.
ما يحدث في عدد من الأعمال اليوم أن صنّاعها يلجؤون إلى خلطة غريبة عجيبة يضعون فيها ما يصل إلى أيديهم من بهارات درامية، وقصدهم اللجوء إلى كل ما من شأنه “وفق رؤيتهم” أن يُمسك بالمشاهد، وللأسف يصلون إلى الخلطة المكررة نفسها في استنزاف أعمى لمشاعر المشاهد عبر الإمعان في الشر والعنف إلى درجة عالية، لتتصاعد الأحداث وتذهب إلى أبعد مدى يمكن أن يصله الكاتب.
ولتكتمل أركان المسرحية التي تُحاك على المشاهد يظهر محراك الشر واضحاً أمامه “لا يُخبئ نفسه” في الوقت الذي يبدو فيه ضمن العمل كحمامة سلام”، فيتم تقديمه بطريقة أحادية مباشرة فجة “الشر المُطلق” على طريقة بعض الأفلام الهندية القديمة، والأمر الذي عفّت عنه الكثير من الأعمال الدرامية منذ سنوات احتراماً لعقل المشاهد.لا يقف الأمر هنا وإنما يتعداه إلى مناحٍ أخرى بما فيها كمية “الصدف” التي يتم الزج بها بهدف تأجيج فتيل نار الأحداث، وهو ما يراه بعض صانعي الأعمال على أنه “تشويق”، والفرق شاسع وكبير بين “المصادفات المجانية والأحداث المفبركة”، وبين “الحدث المفاجئ غير المتوقع الذي يقلب الأحداث”، ففي حين تحكم اللامنطقية الخيار الأول يحمل الخيار الثاني شيئاً من المنطقية والواقعية يدفع المتلقي للتفاعل معه والاقتناع به.
إن كانت “الدراما” لا تستقم إلا من خلال “الصراع” فلا بد أن يأتي حقيقياً وقائماً على أسس ومرتكزات متينة عبر بناء درامي مُحكم تُنسج فيه الأحداث المشوّقة بعيداً عن المباشرة واستجداء العاطفة، وإن كانت هناك أعمال خرجت عن هذه النظرة إلا أن مسلسلات أخرى وقعت في فخها، ويبقى الميزان دائماً والشرط الأساسي الذي لا مهادنة فيه احترام العمل الدرامي لعقل الجمهور.

آخر الأخبار
اليونيسف: حياة أكثر من 640 ألف طفل في خطر جراء الكوليرا شمال درافور الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس بديلاً عن إنهاء الفظائع في غزة عون في ذكرى تفجير مرفأ بيروت: الحساب آت لامحالة إجازات الاستيراد أحد الخيارات.. كيف السبيل لطرد البضاعة الرديئة من الأسواق؟ حلب تكثف حملاتها لضبط المخالفات وتنظيم السير محلل اقتصادي لـ"الثورة": الحاجة لقانون يجرم التهرب الضريبي تجهيز بئر الخشابي لسد نقص مياه الشرب بدرعا البلد مشروع دمشق الكبرى مطلب قديم..م.ماهر شاكر: يبدأ من تنمية المدن والمناطق المهملة طرح ثلاثة مشاريع سياحية للاستثمار في درعا "منوّرة يا حلب" تعيد الحياة لشوارع المدينة بعد سنوات من الظلام وسط تفاقم أزمة المواصلات.. أهالي أشرفية صحنايا يطالبون بخط نقل إلى البرامكة معسكر تدريبي في تقانة المعلومات لكافة الاختصاصات من جامعة حمص مستوصف تلحديا بريف حلب يعود للحياة بجهود أهلها.. لا سيارات على طريق القشلة - باب توما بعد صيانته بين المصلحة الوطنية والتحديات الراهنة.. الصبر والدبلوماسية خياران استراتيجيان لسوريا "لعيونك يا حلب" تُنهي أعمال إزالة الأنقاض وجمع القمامة في حي عين التل هل تعود الشركات الاتحادية إلى دورها؟ وزير المالية: نطرق كل الأبواب نحو الإصلاح الاقتصادي العربي بطولات كبيرة قدمها عناصر إطفاء طرطوس "الطوارئ والكوارث" تبدأ رحلة تحسين الاستجابة للحرائق فنادق منسية في وطن جريح..حين يتحوّل النزيل إلى مريض لا سائح ؟! خسارة مضاعفة: مزارعو إدلب الجنوبي يواجهون نتائج اقتلاع الأشجار وندوب الطبيعة