كان الحديث العائلي يدور حول الشعر حين توجه أحدهم بالحديث إلى أصغر الحاضرات قائلاً:
– هل تعلمين أن جدك الذي لم يتم تعليمه كان أبرع الجميع بمسابقات الشعر العائلية؟
استفسرت الصبية الصغيرة عن مفهوم تلك المسابقات فلما قيل لها أنها تعتمد على تذكر بيت من الشعر يبدأ بالحرف الأخير من البيت الذي أورده المتسابق المنافس صاحت ببراءة: ما أسخف جيلنا.. إننا نقيم السباق ذاته إنما على كلمات الأغاني الشائعة..
كانت واحدة من المرات الكثيرة التي تجري فيها المقارنة بين الأجيال.. وهي ليست دائماً مقارنة محقه لأنها ببساطة تعتمد على حالات فرديه لا على استبيان حالة عامه، فمن يستطيع ادعاء أنه لم توجد في الأجيال الأكبر عمراً حالات وفيرة لأشخاص لا يهمهم من الدنيا إلا ما هو سطحي وعابر.. ومن يستطيع إنكار العدد الكبير من أبناء الأجيال الشابة الذين يسبق تفكيرهم عمرهم، وتشغلهم القضايا الكبيرة والحرص على الاستزادة من المعرفة.. فكم من مرة سمعنا من يقول عن متقدم في العمر بأنه (يعرف بما لا يعرف).. وكم من مرة أدهشنا شاب بسعة ثقافته؟ أوليس في المثال السابق ما يشير إلى وعي لدى شابة صغيرة يعز على من مرت عليهم السنون دون أن تغير في مفاهيمهم، أو تزيد في معارفهم؟
الثقافة والمعرفة هنا بيت القصيد، وهما الأساس في الحوار الذي لا ينقطع بين الأجيال، وعن الأجيال، فمن قائل – عن حق – بأن لدى الأجيال الجديدة فرصة للاطلاع على المعارف لم تتوفر لأسلافهم بفضل وسائط المعرفة الحديثة وفي مقدمها الشبكة العنكبوتية (الأنترنيت)، إلى قائل أنه لو توفرت هذه الوسائط للأجيال الأقدم لقدموا الأهم والأفضل، يفسر الأولون أن المعلومة التي كان الوصول إليها في الماضي يتطلب جهداً ووقتاً في البحث بين المصادر الورقية التي قد لا تتوفر في أحيان كثيرة، صار الحصول عليها اليوم يسيراً ولا يتطلب سوى دقائق قليلة.. ويعلق الآخرون أن مجرد توفر هذه الوسائط لا يعني بالضرورة حدوث فعل المعرفة، ويستشهدون بشكوى الأساتذة الجامعيين من استسهال طلابهم لحلقات البحث بحيث صاروا يأتون بها جاهزة من صفحات (الأنترنيت)، حتى دون أن يدركوا ما فيها، ليصلوا إلى القول أنه حين كانت الكتب والمطبوعات الورقية المصدر الوحيد كان الطالب على أقل تقدير يقرأ ما سَيكْتب عنه..
الجدل قد لا يتوقف.. ولكن من المؤكد أن دخول الكمبيوتر فالأنترنيت حياتنا لا يعني أننا أحسنا الإفادة من إمكانياتهما الهائلة. وابتكار شبكات التواصل الاجتماعي مثل ال(فيس بوك) و(تويتر) حوّل جهد الكثيرين من مستخدمي الكمبيوتر نحوهما، واستجاب لرغبات دفينة في الكتابة للتعبير عن الرأي، و لكن المشكلة تكمن في الرأي الذي لا يستند إلى ثقافة أو معرفة..وهنا يحضرني قول لكاتب كبير انتقد هذه الحالة منذ سنوات طويلة حين قال:
– كنا نقرأ عشرة كتب لنكتب مقالة واحدة، واليوم هناك من يكتب مئة مقالة بعد قراءة كتاب واحد!!
ترى ما كان سيقول كاتبنا الكبير لو عاش عصرنا ورأى من يكتب دون أن يقرأ شيئاً، ولو مجرد تقرير صحفي؟