أن تكون مستهدفاً من الخارج فهذا أمر تفهمه وتستطيع تبريره للآخر وتعمل لمواجهته والتقليل من أضراره، ولكن أن تلمس أنك مُستهدف من الداخل فهذا ما لا تستطيع قبوله.
عشرات الكتب قدمتها شركات وصناعيون إلى غُرف تجارة وصناعة دمشق وريفها تطلب فيها التوسط من وزارة الخارجية لدى المنظمات الدولية لاستجرار المواد المُنتجة والمصنعة محلياً كون هذه المواد تأتي لمساعدة الشعب السوري، وبالتالي تأمينها من الأسواق المحلية يكون مساعدة مباشرة لأنها تُشغّل مئات الورش والمعامل وعشرات الآلاف من المواطنين، وهذا يعني بالمقابل أن استيرادها من الخارج يوقف هذه الشركات والعاملين فيها عن العمل، ويحرم الخزينة من الضرائب والرسوم، ويضرب الاقتصاد الوطني.
أوكرانيا والسودان رفضتا دخول أي مواد ومساعدات لها مثيل محلي، واشترطت تأمينها من السوق المحلية، ومنعت إدخالها من الخارج رغم أنها مساعدات، ولبنان بعد حادثة تفجير المرفأ رفض إدخال ٥٠ ألف طن طحين كمساعدة، وطلب أن تكون المساعدة قمح وذلك لتشغيل المطاحن في لبنان، تركيا ترفض دخول أي مواد ومنتجات لها مثيل محلي كمساعدات للاجئين، وتشترط تأمينها من السوق التركية، والأمر في الأردن كذلك، وهناك اقتصاديات حقيقية تقوم على هذا الأمر كما في المدينة العالمية بدبي، حيث قدمت الدولة مساحة كبيرة من الأرض بكافة الخدمات وبإعفاء كامل من أي ضرائب أو رسوم لتكون هذه المدينة مستودعات ومنطلقاً لتصنيع وتوضيب المساعدات، وقد أُقيم عشرات المعامل والورش بجانبها لتأمين طلباتها.
فهل يُعقل أن نكون نموذجاً فريداً في العالم نعادي أنفسنا، ونقضي على صناعتنا، ونُطلق آلاف العاملين إلى سوق العاطلين عن العمل؟.. هل يُعقل أن نسمح بدخول المنظفات والمواد الصحية والغذائية والألبسة استيراداً ولدينا آلاف المعامل والورش المحلية التي تُنتجها؟، هل يُعقل أن نسمح بدخول مواد بعشرات ملايين الدولارات استيراداً واقتصادنا يقوم على صناعتها؟.
هل يُعقل أن نقضي على صناعتنا وإنتاجنا الزراعي لأمر يخدم قلَّة تُتاجر بنا جميعاً مقابل مكاسب شخصية تبدو واضحة؟، وإذا كان الأمر لا يخدم المُنتج السوري، ولا الاقتصاد، ولا المصرف المركزي، ويضر بالصناعة والخدمات والعمالة السورية فمصلحة مَن يحقق؟.
هل يُعقل السماح لشركات خارجية بتنفيذ عقود المساعدات بدون ضرائب، ولا تأمينات، ولا تسجيل بنقابة المقاولين والمهندسين، وتستورد كامل طلبياتها من الخارج، وتستفيد من العمالة الرخيصة، وتُخرج الشركات المحلية من المنافسة وتحولها إلى متفرج؟.. لأن أي شركة محلية تدفع الضرائب والرسوم والتأمينات ورسوم النقابات وبالتالي تخرج من منافسة هذه الشركات المُعفاة من كل شيء والمُستفيدة من كل المزايا، ولو أنها ملزمة بالاستجرار من السوق المحلية لما كان هناك مشكلة.
كل ما سبق ليس له مثيل في أي دولة، فقط في سورية يحصل ذلك وبمباركة وبشكل مجاني، مع العلم أن الاشتراط لا يلغي تقديم المساعدات ولا يقلل منها.
مساعدات بعشرات ملايين الدولارات يُمكن تأمينها من السوق المحلية بالكامل، وتؤمِّن جبهات عمل لمئات الورش والمزارعين والشركات المحلية، ويدعم الاقتصاد، ويؤمن عائد قطع للمركزي، فلماذا نتعامل مع هذا الملف بطريقة تجعل خسائرنا أكبر من المساعدات ؟.. ولمصلحة مَن؟ سؤال برسم الجهات المعنية بالسماح؟.