الثورة- حسين صقر:
لكون جلاء المستعمر الفرنسي جاء تتويجاً لحقبة نضالية تخللتها العديد من الثورات الرافضة لوجود ذاك المستعمر، يحتفل شعبنا العربي السوري هذه الأيام بذكرى هذا العيد المجيد، والذي قدّم خلالها شعبنا الغالي والنفيس من التضحيات التي تكللت بالاستقلال الوطني.
فمعاني الجلاء تترسخ عاماً بعد آخر، لأن السابع عشرمن نيسان كان عام النصرالذي رفعت فيه رايات التحرير وإنهاء حقبة من الاحتلال الفرنسي الطامع بوطننا سورية، وفي ذلك اليوم توج السوريون مسيرة حافلة بالنضال، بعد أن قدّموا الدماء والأرواح وضحوا بأرواحهم لطرد المستعمر الفرنسي، فكان هذا اليوم عيداً وطنياً يحتفل فيه السوريون مستذكرين بطولات الأجداد الذين تمكنوا بشجاعتهم من إيصال سورية إلى الاستقلال.
صفحات مشرقة
فمن جبلي العرب والشيخ وهضاب الجولان الصامد وسهول حوران في الجنوب والجنوب الغربي من سورية مروراً بدمشق وغوطتيها، إلى سهول حمص وحماة ومنطقة الجزيرة، إلى جبال الشمال والزاوية والساحل، والأبطال الشجعان خاضوا المعارك البطولية والملحمية حتى أضحى الوطن حراً كريماً مستقلاً.
والجلاء بمعانيه وقصصه وحكايات الانتصار يحتاج لأبحاث ودراسات وصفحات كثيرة تتضمنها الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، والحديث عنه يطول.
«الثورة» التقت بعض أبناء وأحفاد الأبطال الذين تركوا بصمات لا تنسى في مسيرة الجلاء الذي كانت نتائجه واضحة بدحر المستعمر الفرنسي، حيث كان لكلّ منطقة من مناطق الوطن جولة ملأى بالانتصارات.
وحدة المصير
ويروي السيد علي حسن شمس أحد أقارب المجاهد حسن شمس الذي أبلى بلاء حسناً في معركة إقليم البلان وجبل الشيخ قائلاً: لاشك أن الفرنسيين حاربوا أبطال سورية بجيش منظم من الجنود، وبطابور من الجواسيس والعملاء والدعاة والصحف الكاذبة والمشتراة آنذاك، وقد نجحوا بإحداث ضجة كبيرة في صحفهم حول حوادث أثاروها بأيديهم وألبسوها ثوباً أرادوا استثماره، لإشعال الفتن الطائفية ولاسيما في بعض قرى جبل الشيخ، وما كان من أهالي تلك القرى إلا أنهم تنبهوا لذلك، وأول ما فعلوه هو درء تلك الفتن، وتوحدوا ضد المستعمر الفرنسي لاسترداد بيوتهم وأراضيهم التي سلوبها إياهم، وكانت الانطلاقة من قرية قلعة جندل، حيث توحد الأحرار تحت راية الثورة السورية الكبرى وكبدوا جنود المحتلين خسائركبيرة في الأرواح والعتاد.
واستذكر السيد شمس الزعيم عقلة بك القطامي الذي جاء من سهل حوران حاملاً بندقيته يقاتل الفرنسيين، كما روى له جده حسن، موضحاً أن القطامي كان من طلائع الثوار، وهذا ما نشرته جريدة البيان في تموز عام في 1926 في كتاب خاص إلى الجالية السورية في أميركا وجاء فيه» لدينا دماء وأرواح جعلناها وقفاً على هذه الثورة وثمناً لاستقلال البلاد وتمتعها بحقها المشروع، ولقد بذلنا في هذا السبيل ما استطعنا والباقي لن نحجبه به في سبيل الغاية القصوى».
وذكر حفيد المناضل شمس إن قوات فرنسية جاءت واعتقلت ثلاثة عشر رجلاً من أهل القرية كرهائن وطلبت من سكان القرية تسليم مئتي بندقية، فهب ثوار الإقليم لمساعدة أهل قلعة جندل وكذلك لبى المجاهد زيد الأطرش في جبل العرب استغاثة أهلها فتوجه إلى هناك، بعد أن منع جدي ومن معه تقدّم القوات الفرنسية باتجاه القرية التي كان قد تجمع فيها الأطفال والنساء والشيوخ.
وأضاف في حديثه قائلاً: تابعت الحملة مسيرتها برفقة ثوارالإقليم إلى قرية عرنة ومن ثم وصلت إلى مجدل شمس مركز قيادة ثورة إقليم البلان واجتمعوا في بيت قائد الثورة المجاهد أسعد كنج أبو صالح وتشاوروا حول كيفية توسيع الثورة.
وأوضح أنه رغم وجهات النظر المتعددة قرروا مد الثورة لتشمل حاصبيا والقرى المجاورة لها، وبالفعل سارت حملة باتجاه حاصبيا حيث غادرت حاميتها دون قتال ودخلها الثوار وتم السيطرة على قرى ونواحي «كوكبة، وإبل السقي، وجديدة مرجعيون وراشيا الوادي». وحصلت معارك طاحنه كان أشهرها الاستيلاء على قلعة راشيا واستبسل الثوار في هذه المعركه، ولكنّهم اضطروا للعودة إلى مجدل شمس للدفاع عنها بوجه الهجوم الفرنسي الذي استهدفها لعلمهم أنها القلب النابض لثورة إقليم البلان فإذا أخمدوا ثورتها أخمدوا ثورة إقليم البلان.
مواقف عزّ ورجولة
بدوره مصطفى كنج أحد أحفاد الشيخ أسعد كنج أبو صالح روى أنه عندما جاءه نبأ استشهاد ابنه البكر في الثورة وأبلغوه الخبر قال: الحمد لله الذي قضى الأمر باستشهاد ابني وليس أخي فسألوه، والدهشة تعلو وجوههم، كيف وهو ابنك؟ فقال إن استشهاد ولدي لن يوقف الثورة ولكن استشهاد أخي قائد الثورة قد يوقفها، ما يؤكد مواقف الرجولة والعز والكرامة التي تذكرنا ببطولات العرب الأمجاد الذين انتصروا على الغزاة والأعداء في معارك اليرموك والقادسية وحطين وعين جالوت، وما المجاهدون الذين ذُكرت أسماؤهم سوى عينة تدل بأفصح ما يكون على علو همة وهامة السوريين في مناقبهم العربية الكريمة.
قبل الأوان
وقال المواطن محمود معن: إن أهلنا أدركوا واجبهم الوطني وأشعلوا الثورة في إقليم البلان قبل الأوان، حيث تشاورالشيخ كنج أبو صالح مع وجهاء الإقليم وقرروا أن عليهم نصرة أخوتهم في جبل العرب عن طريق توسيع نطاق الثورة ومدها إلى إقليم البلان، لتخفيف الضغط عن باقي المناطق التي اشتعلت فيها الثورة.
وطلب من الشيخ أسعد كنج أبو صالح في ذاك الوقت أن يعد العدّة لذلك وأرسلت رسائل بهذا الخصوص إلى قائد الثورة العام سلطان باشا الأطرش ووقعت إحدى هذه الرسائل بأيدي الفرنسيين الذين جن جنونهم وأرادوا الانتقام لكنّهم أخفقوا مرة أخرى.
ذكريات ترفع الهامات
اليوم وبالتزامن مع إحياء الذكرى يستعيد السوريون ذكريات الأبطال وقادة الثورة أمثال سلطان باشا الأطرش، والشيخ صالح العلي، وإبراهيم هنانو، وحسن الخراط، وأحمد مريود، وغيرهم من الأبطال، حيث تزداد الملحمة الوطنية أهمية وعنفوانا، ما يحفز طاقاتنا وقدراتنا نحو المتابعة في التضحية وصولاً إلى النصر المؤزر والمتمثل بتطهير كامل التراب السوري من آخر إرهابي موجود على أراضينا الطاهرة، ولاسيما ان يوم الجلاء مناسبة وطنية مهمة في حياة كل مواطن سوري كونه ثمرة تضحية قدمها أبناء الشعب السوري، كما انه يمثل نقطة تحول في تاريخ سورية حيث تمكن الشعب السوري من دحر آخر جندي فرنسي محتل من التراب الوطني بفضل التضحيات الكبيرة التي قدمها لنيل الحرية وعقب ذلك مسيرة البناء والإعمار حتى أضحت سورية منارة في كافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية وتوالت الإنجازات وشهدت نهضة عمرانية واسعة إلى أن شن عليها المستعمرون الجدد وعلى رأسهم أميركا وتركيا حربهم القذرة مستخدمين أبشع الوسائل والأدوات للنيل من إرادة السوريين وعزيمتهم لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم بفضل بسالة الجيش العربي السوري وتلاحم الشعب معه.