نصب الصناعيون فخاً للحكومة عندما طلبوا منها تأمين التيار الكهربائي بالسعر الذي تريد، مراهنين على تحصيل الفرق من المواطن بظل منع الاستيراد وبالتالي غياب المنافسة ونسيوا التصدير بشكل كامل، ولكنهم اكتشفوا أن المواطن لم يعد قادراً على الأكل والشرب وشراء الملابس ففسدت بضاعتهم وتوقفت مصانعهم بعد أن فقدوا الأسواق الخارجية لعدم القدرة على المنافسة، والداخلية لانعدام القوة الشرائية.
الحكومة لم تكن أكثر حكمة من الصناعيين لأنها وإياهم أخذوا حصة المواطن من الكهرباء، وبناءً لطلب الصناعيين جمعت الحكومة وضربت وخرجت بتعرفة لأسعار الكهرباء ليست الأعلى على مستوى دول الجوار بل ربما على مستوى العالم وبذلك ضربت القطاع الصناعي وأجهزت على ما تبقى منه من سنوات المواجهة الطويلة.
كل تبريرات الحكومة لرفع الأسعار مرتبطة بسعر دول الجوار وهذا حق، ولكن عليها أيضاً أن تحسب دخل المواطن على أساس نظيره في دول الجوار حتى تصحّ المعادلة، وعندما تحسب أسعار الكهرباء على السعر العالمي عليها ألا تنسى أن 70 % من الكهرباء يتم توليدها من الغاز المُنتج محلياً وهذا يُعطيها المجال لأن تُسعّر للصناعيين والقطاع الخدمي والسياحي على أساس دول الجوار وأقل منها وليس أعلى منها بشكل كبير.
إذا كانت الحكومة مُصرّة على أن هذه هي التكاليف وفقاً لحساباتها، فعليها أن تفكر باستيراد الكهرباء لأن أسعار الكهرباء المُستوردة أقل بنسبة 30 % بعد إضافة أجور النقل والتوزيع، وحينها تتفرّغ لتأهيل منشآتها وضبط مزاريبها في الفاقد والاستجرار غير المشروع والهدر في الوقود وانخفاض مردود مجموعات التوليد الذي تُحمّله على السعر.
مطلب الصناعيين محق رغم نواياهم السيئة التي ارتدت عليهم، ومنطق الحكومة بعيد عن الواقع بكل الحسابات، فهي لا أنقذت الخزينة، ولا أنصفت المواطن ولا حَمت الصناعة الوطنية.
لا نقول إن الصناعي لا يعاني، فلديه أعباء كثيرة ولكن الدولة دعمته و منعت استيراد أي سلعة لها مثيل محلي لحماية الصناعيين ومنحت القروض والإعفاءات وخفضت الرسوم للمواد الداخلة في الصناعة، إلا أن الصناعيين لم يرحموا المواطن وعكسوا كل الأعباء عليه وضاعفوا الأرباح ولم يتنازلوا عن أي شي منها ومقارنة بسيطة لأي سلعة مع نظيرتها في كل الدول يكشف ذلك.
لا سياسة الحكومة صحيحة في حساب التكاليف ولا منطق الصناعيين مقبول في التسعير ولكن الصحيح الوحيد أن المواطن والاقتصاد ضحايا التخبط والجشع.