هفاف ميهوب
إن أردنا الحديث عن الشهداء، فردتْ الكلمات أجنحتها وحلّقت كما أرواحهم، محمّلة بكلّ الورود العطرة، التي تنشرُ طِيبِ ذكراهم..إن أردنا الحديث عنهم، عدنا إلى الماضي، إلى السادس من أيار عام 1916.. عدنا لنتذكّر أديبة دمشق «ماري عجمي» التي كانت تدخل السجن متى تشاء، لتقابل وتلبي احتياجات السجناء الشهداء، وبعد أن تدفع رشوة لخفيرالسجن فيدعها تزورهم، وكان بينهم خطيبها الصحفي المناضل، الذي أعدمه «جمال باشا السفاح» معهم.عدنا لنتذكّر ذلك، وغيره مما دوّنته «عجمي» في مقالٍ لها، قالت فيه بعد أن رأت، ما ذاقه هؤلاء الشهداء من صورِ المعاناة وعذابها:»كان أولئك الشهداء، يجودون بالقسم الأكبر من طعامهم ولفافاتهم وملابسهم على المجرمين، ويتلهّون بكتابة رسائلٍِ وعرائضٍ، يرفعها المجرمون إلى حكامهم أو ذويهم، ولم يكونوا يجرؤوا أن يردوا لهم طلباً، خوفاً من تعدياتهم..». كتبت هذا المقال، بعد أن اقترح عليها أحد الأصدقاء، أن تصف لقرائها، حال الشهداء عندما كانوا في السجن، وقد وصفت حالها في اللحظة التي فكرت فيها بطلب صديقها:»اعتمدتُ رأسي بيديّ، فإذا تلك الخيالات المروّعة والصور الفظيعة، تتسارع إلى مخيّلتي.. لقد ألهبت دماغي، وأخذتني منها رعشةٌ تمثّل لي فيها، أنّي أسمع أنين أولئك الشهداء، وأبصر مواكبهم، وأرى مشانقها كأنها مواقف مناطيد المجد المحلّقة إلى السماء..».بيد أن تفكيرها هذا، هو ما جعل اللحظات المؤلمة، التي كانت تشعر بها عند زيارتها لهم، تتحول إلى مفرداتٍ وصفت حتى كيفية سعيها لمساعدتهم.نعم، لقد تمكّنت «عجمي» من مساعدة هؤلاء السجناء، وأغلبهم من الشعراء والأدباء.. تمكنت مع أدباء وشعراء ووجهاء، من الإفراج عن بعضهم، ومنع تنفيذ عقوبة الإعدام بحقّهم.. رغم ذلك، بقيت صورتهم محفورة في ذاكرتها، مثلما في كتاباتها وكلماتها:»يا أرواح الشهداء ردّي.. هل خفّفت آلامك وأوجاعكِ، حالةٌ صارت إليها سوريّة؟.. هل تشعرين بدبيبِ الطمأنينة، وتؤمنين حق الإيمان، بزوال النفور بين إخوانكِ الأحبّاء، وقيامُ كلٍّ منهم بالسهر على واجبه الوطني، والثمن ألياف عضلاتك، ودقائق عظامك، وجمرة دمائك.ردّي يا أرواح الشهداء، هل كانت تلك الأوسمة مطمحكِ الوحيد، وهل أنت راضية عن تلك الأعواد التي عُلّقتِ عليها، وهل فرحتِ فأزهرتِ أمالاً جالت في أحلامك؟..».
السابق