ارتفاع الأسعار والفواتير والأجور التي تتصدر كل أسبوع بقوائم جديدة وفقاً لنسب ومعايير ينطبق عليها المثل الشعبي بأن “حسابات الحقل لا تتناسب مع حسابات البيدر” وهي على الأغلب لا تدفع الكثير من الأسر والأفراد للتحرك نحو تنشيط السوق أو تفعيل حركة البيع وخاصة فيما يتعلق بشريحة الموظفين … وإنما هناك دوافع نحو المزيد من الاستقالات وترك العمل الوظيفي للبحث عن مجالات عمل جديدة تتناسب مع الارتفاع المتكرر لأسعار السلع والتكاليف المعيشية.
إن الأزمة المعيشة المستمرة كشفت عن حالة من الضيق لدى شريحة محدودي الدخل، إذ لم يعد هناك أي تناسب بين الدخل والنفقات.. وبشكل آخر إن الرواتب لا تغطي النفقات التي كانت تغطيها من قبل.. وبمقارنة بسيطة بين الواقع الحالي للضغوطات الاقتصادية وفيما مضى، نجد أن الموظفين عادة يبقون في أماكنهم الحالية، على أمل أن تتحسن الظروف الاقتصادية وتنتهي الضائقة ويتم تعويضهم وأنهم سوف يحصلون على دخل مضمون لحين التخلص من العاصفة الاقتصادية.
ولكن حدث العكس … إن الركود الاقتصادي وتراجع القيمة الشرائية لدى شريحة الموظفين والعاملين رافقها ارتفاع قياسي في معدلات ترك الوظائف. ففي دراسة منهجية أكاديمية في معهد “إينا” حول تسرب العاملين في المؤسسات وهجرة الكفاءات نجد أن المشكلة أصبحت ظاهرة سلبية تؤثر على خطط التنمية وحرمان الدولة من الاستفادة من خبرات ومؤهلات عملت سنوات طويلة على تأهيلها.. وإن نسبة التسرب في بعض المؤسسات والوزارات وصلت إلى 71% وما زالت مسيرة الاستقالات مستمرة في أغلبية الأماكن الحكومية رغم انخفاض الشواغر الوظيفية لدى القطاع الخاص.
هذه التغيرات في تركيبة الهرم العمالي تعود بالدرجة الأولى لانخفاض الأجور والرواتب مقارنة مع موجات الارتفاع المستمرة في المواد المعيشية الأساسية وطبعاً هذه المقارنات تشكل الحديث اليومي لدى أغلبية أفراد المجتمع من حيث كفاية الأجور لشراء سلعة ما، وأن الراتب بالكاد يكفي لشراء وجبة طعام أو لدفع الفواتير أو أجور مواصلات ووو إلخ. بمعنى أن هذه الأجور لا تفتح الأفق نحو كفاية الإنسان لاحتياجاته اليومية ..بل تضع شريحة كبيرة من الشباب على طريق الهجرة بحثاً عن مستوى دخل يساعدهم في بناء مستقبلهم.
لاشك أن الدلائل على أزمة تكلفة المعيشة كثيرة جداً والحلول يجب أن تأخذ جوانب لها علاقة بصكوك وقوانين وسياسات خاصة بالحفاظ على الموارد البشرية بشكل احترافي إضافة لجوانب أخرى لها علاقة بالوعي الاجتماعي والتحفيز المادي للخريجين من أجل الالتحاق بالوظيفة العامة.