الثورة – رفاه الدروبي:
ألقى المؤرِّخ والباحث في علم الآثار الدكتور محمود أحمد السيد محاضرةً بعنوان: “غزة والمدن الفلسطينية في الآثار والنقوش- الكتابة السورية المسمارية” في ثقافي أبو رمانة، وأدار الندوة الدكتور محمد الحسن المهباني.
استهلَّ السيد حديثه عن أهمية دراسة النقوش المسمارية في تصويب الحقائق وما هي حقيقة النظرية الأمريكية حول ادعائها بأنَّ الجمل وفد إلى منطقة الشرق القديم من أمريكا وتتناول النظرية ذاتها أنَّ الجمل أصله أمريكي، وليس عربياً، وأنَّ أرض الجمال الأصليَّة تكون أمريكا، وأنَّ جميع سلالات الجمال في العالم تنحدر من الجمل الأمريكي، وانتقلت الجمال عبر مضيق بيرينغ إلى آسيا والصين قبل أن تعبر إلى شمال أفريقيا قبل أكثر من عشرة آلاف عام، مُتسائلاً عن الرابط بين النظرية ذاتها وادعاءات الصهاينة بأنهم أول من استخدم في العالم الجمل في الركوب والتَّنقُّل.
فالنظرية الأمريكية وضعت تمهيداً لادعاء “الصهاينة” أنهم أول من استخدم الجمال في التنقُّل في منطقة وادي عربة عام ٩٠٠ ق.م، في محاولة يائسة لإثبات وجود لهم في المنطقة بعد فشلهم في إيجاد لقى أثرية تدعم ادعاءاتهم في أرض فلسطين المحتلَّة، وتقول النظرية الصهيونية: إنَّ الجمال لم تصل إلى منطقة المشرق في جنوب البحر المتوسط إلا بعد قرون من الفترة المتحدِّث عنها العهد القديم، أي أنَّ الجمال الوارد ذكرها بكثرة في التوراة واستخدمها أنبياء مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب لم تُدجَّن في “الأراضي المقدَّسة” إلا بعد قرون من حصول تلك الأحداث.
ثم انتقل الدكتور بحديثه إلى أهمية الآثار والنقوش المسمارية السورية في دحض أكاذيب الصهيونية بأنَّ اكتشاف بقايا جمال من فئات غير معروفة في عشر سويات أثرية في حوض الكوم قرب تدمر، وتنتمي إلى فصائل مختلفة من الجمال ولا تمتُّ بصلة إلى الجمل الأمريكي وتؤرّخ من ٤٠٠ ألف عام، فضلاً عن اكتشاف بقايا جمل عملاق يُعادل حجمه حجم الفيل الإفريقي ويُعتبر أول نموذج يُعثر عليه في العالم أجمع، ويؤرّخ بحوالي ١٢٠ ألف عام قبل الميلاد، واكتشاف في موقع أم التليلة “التلال” في البادية السورية بقايا عظام لجمال من ذوات السنمين يؤرّخ أقدمها بسبعين ألف عام، وضع حداً للنظرية الأمريكية حول منشأ الجمال في الأمريكيتين ووصولها قبل عشرة آلاف عام إلى أفريقيا عبر الصين والقارة الآسيوية وأبطل بالدليل الدامغ ادعاءات الصهيونية وأثبت أن الجمال استوطنت البادية السورية منذ العصور السحيقة ومنها انطلقت إلى الجزيرة العربية ثم إلى جميع أنحاء العالم، لافتاً إلى أنَّ الأدلة الأثرية السورية والعراقية تشير إلى أن استخدام الجمل في التنقل وفي ضوء المعطيات الأثرية الحالية بحوالى ١٩٠٠ ق.م، فاكتشفت في مملكة أوجاريت “تل رأس شمرة حالياً” لوحة تُصوِّر جملاً تؤرخ ب١٩٠٠ ق.م، كما ذُكرت الجمال في النصوص المسمارية السورية ضمن قائمة الحيوانات الأليفة أيضاً ذُكر حليب الإبل في نص مسماري سومري في نيبور بالتاريخ ذاته، وعُثر على ختم أسطواني في سورية كذلك من الهيماتيت المنحوت ويؤرّخ بالفترة الواقعة بين ١٨٠٠- ١٦٥٠ ق.م، ويظهر في الختم المنحوت شخصان أو ملك وملكة يركبان على حدبات جمل، ما يؤكِّد على أنَّ فكرة ركوب الجمال في بلاد الشام وشمال الرافدين كانت معروفة قبل وقت طويل من التاريخ المقترح من قبل الصهاينة.
ثم انتقل الباحث السيد إلى الحديث عن أهمية الرقم المسمارية الإيبلائية في دحض مزاعم الصهاينة في أرض فلسطين المحتلة وتتضمن أقدم ذكر في العالم لمدن سيناء وغزة والقدس، ومن بين المدن التي تذكرها النقوش أيضاً سدوم وعمورة الواقعتان على شواطئ البحر الميت حيث عاش قوم لوط عليه السلام.
ولم تذكر الرقم البالغ عددها أكثر من ١٧٥٠٠ رقيم أي شيء عن العبرانيين، منوِّهاً بأن غزة والمدن الفلسطينية موجودة في النقوش المسمارية الأوجارتية وأهمية دورها في الحركة التجارية في العالم قديماً بسبب موقعها الاستراتيجي المميز الواقع على تقاطع آسيا وإفريقيا وشكَّلت غزة نقطة التقاء للقوافل التجارية الناقلة للبضائع إلى جنوب الجزيرة العربية والشرق الأقصى وإلى البحر المتوسط، وكانت مركز توزيع البضائع إلى سورية وآسيا الصغرى وأوروبا.. بينما أكَّد أنَّ تاريخ العبرانيين في أرض فلسطين المحتلة لا يُؤرّخ بنحو ١٤٠٠ عام قبل الميلاد كما يدَّعي الصهاينة.
وتساءل الدكتور السيد مستفسراً: لماذا اهتمَّ الصهاينة بدراسة الرقم المسمارية المكتشفة في موقع تل العمارنة المصري، فقد عملوا بجدٍّ على دراسته نظراً لأهمية نقوش تغطِّي الأحداث الجارية في السنوات الأخيرة من حكم أمينوفيس الثالث وحكم امنحوتب الرابع “أخناتون” مع ملوك ميتاني في شمال سورية والكثير من مدنها كمدينة قطنا في حمص، كما تشير دراسة مسلة مرنبتاح إلى دحض الرواية الصهيونية حول احتوائه على أول شاهد لكيان اسمه إسرائيل بلفظ إسرائيل.