عراب الضوء «جورج عشي» … عدسةٌ تنظر إلى العالم بعيون فنان

الثورة _ لقاء علا مفيد محمد:
ولد عشي في ضهر صفرا في طرطوس عام ١٩٤٠ وعبرَ مسيرته المذهلة التي لم يقتصر فيها على توثيق الواقع المحيط به فحسب، بل تعداه ليصور الواقع كما يراه في خياله، مشكلاً بذلك جسراً بين العالم الخارجي وعوالمه الداخلية والفنية التي كان لنا شرف التعرف عليها في لقاءٍ جمعنا معه ذات صباح في مقهى الهافانا، ذاك اللقاء الذي كسر فيه رتابة الأيام حيث المكان يعجّ بالحياة، وهناك استمعنا لأحاديثه المفعمة بالشغف والأفكار الشائقة تحت سقفٍ واحد يشهد على جمال الصدف والأوقات المميزة.

وعن البدايات كان سؤالنا: ما الذي ألهمكم لدخول عالم التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي، ومتى كان ذلك ؟
طفولتي كانت غنية بالتعلم والمعرفة فقد نشأت في عائلة تهتم بتنمية طفلها في عدة مجالات، درست بمدارس متميزة بجودتها التعليمية، وكان والدي يدربني على أن أكون خطيباً باعتباره مدرساً للغة العربية كما خصص لي مدرباً للجمباز، أحاطني والدي بالاهتمام، وكان له الفضل الكبير في تأسيسي ومنحي القدرة على الانطلاق بكل ماهو مهم، ثم جاءت المصادفة ليكون جارنا مصوراً أرمنياً يعمل في منزله وعلى بابه لوحة إعلانات يعرض فيها آخر ما صوّره، كنت أقف أمامها وأتساءل: كيف تخرج هذه الصور؟ إلى أن جاء وأعطاني كاميرا، وطلب مني التقاط بعض الصور وفعلاً هذا ما حدث ومن بعدها دخلت معه غرفة التحميض المظلمة وقام بعملية التحميض أمامي فوجدتها عملية ممتعة للغاية، ومنذ ذلك اليوم بدأ ولعي في التصوير وكنت حينها أبلغ من العمر الـ ٩ سنوات.
أما عن الرسم فقد لاحظت أختي جمال خطي في الرسم وولعي بالألوان، وكنت أنال الدرجة الأولى في الرسم بمدرستي آنذاك لذلك قامت بشراء ألوان زيتية لي، وطلبت مني أن أرسم ما يحلو لي وبدأت الرسم بالألوان الزيتية إلى أن جاء يوم وزارتنا فيه قريبةٌ لنا، وأعجبت بإحدى لوحاتي فطلبتها مني وأعطتني مقابل هذه اللوحة في ذلك الوقت ٢٥ ليرة سورية ومن بعدها استمررت بالرسم بشكلٍ متقطع، وبدأت بالتصوير بشكل جدّي في عام ١٩٧٥
(من هنا بدأت رحلة التصوير)
دعيت من قبل وزير الثقافة والإعلام العراقي طارق عزيز لأقيم معرضاً للرسم في بغداد، فأقمت المعرض وبيعت كل لوحاتي، حينها استطعت اقتناء كاميرا احترافية وبدأت أصور المناسبات ولوحاتي الزيتية، وكنت أفضل دوماً زيارة أحياء دمشق القديمة والتقاط الصور هناك، لكنني لم أكن راضياً عن الاستديوهات التي كانت تطبع لي الصور لذلك بحثت عن مراجع أتعلم منها كيفية القيام بعملية التصوير والتحميض والطبع والتكبير بشكل كامل بنفسي ووجدت ما أردت وبدأت بالعمل.
وفي عام ١٩٨٣ جاء إلى سورية ٧ مصورين عالميين يبحثون عن مصورين في سورية ليشاركوا في معرض (الصورة الصحفية العالمي) وكانت وكالة سانا قد وضعت زيارتهم لي ضمن برنامجهم وبعد مشاهدتهم ما لدي من صور في منزلي طلبوا مني المشاركة في المعرض، حينها شعرت بالخوف لكنهم أصروا على مشاركتي وكلهم يقين أنني أملك ماهو مهم جداً، وهذا المهم الذي لفت انتباههم لم يكن ضمن دائرة اهتمامي وغايتي.
وافقت على المشاركة وذهبت إلى أحياء الشام القديمة لالتقاط بعض الصور، فوجدت رجلاً عجوزاً ضريراً يبيع أشياءً للأطفال في باب شرقي، وكانت تجاعيده قد شابهت الستارة الحديدية التي تغلق دكانه، فالتقطت له صورة وتفننت في طباعتها حتى خرجت بالشكل الذي أريد، وشاركت بها في المعرض، وفازت صورتي بالمرتبة الثانية، وحصلت على الميدالية الفضية، ومن هنا بدأت الجدية في التصوير، فقد وجدت أنه لم يعد مقبولاً أن أتراجع بل صممت على تقديم الأفضل.
ما العلاقة بين التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي في أعمالكم؟
الرسم والتصوير فنٌ واحد لا يتجزأ، فمن يملك إحساساً قوياً بالفن، ويشاهد طفلاً يعمل يمسح الأحذية على سبيل المثال لا الحصر سيشعر بالحزن وينعكس ذلك برسمه وتصويره وشعره وذلك بالإحساس العالي بالإنسان، وهذا أهم مافي الأمر، ولا اختلاف بين مقومات اللوحة الضوئية ومقومات اللوحة الزيتية والرابط قويٌّ بينهما، فالفن الفوتوغرافي هو فن واحد سواء بالكاميرا أو باللون.
يبدو أن الإنسان من أهم المواضيع التي فضلتم توثيقها بعدستكم، فما الرسالة التي أردتم إيصالها ؟
نعم، الإنسان كان محور فني سواء بالرسم أو التصوير وعليه بنيت مدرستي الخاصة في التصوير، فهذا النمط لم يكن موجوداً ألا وهو الإنسان، وأردت من خلال ذلك لفت الأنظار والتركيز على قيمة الإنسان البسيط، الكادح، الفقير، المُتعَب ضمن بيئة تناسب وضعه، شاركت أعمالي في معارض عدة دول «عمان، بيروت، ليبيا، الجزائر مع فنانين آخرين أما معرضي في بغداد فكان معرضاً شخصياً.
وعملت أيضاً بالتصوير الصحفي مع أكبر وكالة أنباء في العالم «اسوشيتد برس» أو وكالة «رويترز» على مدار ١٠ سنوات وهذا جانب من عملي لا أعطيه أهمية، لكن فترة التصوير الصحفي شهدت توثيقاً لأحداث مهمة وكثيرة في سورية وزخماً للنشاط السياسي.
(نادي التصوير الضوئي)
أسستم نادي التصوير الضوئي في سورية، في أي عام كان ذلك وما الدافع وراء تأسيسه؟
في عام ١٩٨٣ كنت قد أسست النادي حديثاً، وما حدث أننا كنا ٥ فنانين قدمنا معرضاً لأعمالنا، أثنى عليه إحدى الشخصيات المهمة في الدولة وعبرت له عن رغبتي بأن يكون لدينا جمعية أو ناد لتنظيم شؤون المصورين الهواة والدفاع عنهم كحال جمعية المصورين المحترفين، وما كان منه إلا أن دعم لنا ذلك وقمنا بكتابة النظام الداخلي للنادي حتى أخد شكله النهائي وقمنا بتقديمه لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لننال الرخصة.
وتم بالفعل تأسيس نادي التصوير الضوئي الذي قام بضم الشباب الهواة وتدريبهم وتعويدهم على العمل بأيديهم بطريقة احترافية كما ضمن النادي حمايتهم ببطاقة نادي التصوير ليمارسوا عملهم بشكلٍ مريح، وبدأنا التصوير بالشكل الصحيح أي أن تكون الصور باللون الأبيض والأسود فهو مقياس الجمال أكثر من الصور الملونة وله تأثير خاص وعميق ويدفع للتركيز أكثر.
(بين فن التصوير وسحر الكلمات المغناة)
لم يكن التصوير والرسم حدود موهبته فحسب، بل إن جورج عشي بريشته وقلمه فتح أبواباً جديدة للتعبير الفني، مؤكداً أن الفن لغة واحدة بمخارجٍ عدة، فقد استطاع بمهارته وشغفه تقديم أعمالٍ فنية وأغان تردد صداها في الأذهان حتى الآن.
فأول أغنية لـ «بدر الدين الجابي» في إذاعة دمشق عام ١٩٦١ كانت من كلمات جورج عشي إضافة إلى عدة أغاني منها «ياما رحنا ومشينا» للفنان نعيم حمدي ـ «لو بكون عليّ الحق» غناها الفنان غسان صليبا ـ « آه لو فيّ» للفنان ربيع الخولي ـ «ياغزال ياغزال» غناها الفنان فهد بلان، والكثير من الأغاني.
وعند سؤالنا عن أي من هذه الفنون يجد عشي نفسه فيها أكثر؟
أجابنا بأن الرسم والتصوير والكتابة يعيشون بداخله بالدرجة نفسها.
وختم اللقاء بقوله لنا «كل شخص له نظرته الخاصة ومحبته للأشياء من زاوية معينة، المهم أن نعرف كيف نرى هذه الأشياء بالشكل الصحيح وبناءً على ذلك كلٌّ يعبّر بطريقته»
وهكذا أسدل الستار على لقائنا المميز مع المبدع جورج عشي، الذي أكد مع كل كلمة وكل لوحة وكل نغمة أن الفن ليس مجرد تعبير عن الجمال بل هو جسر يربط بين الأرواح ويعبر عن أعمق المشاعر الإنسانية.

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى