عندما أطاح دهمان بعرش عمه صالح من زعامة قبيلة الشرود، بدأ مسلسل البحث عن أعوان ومستشارين وأفراد حماية له، ليتجنب مصير عمه الذي أتمنه على فرسان القبيلة ومقدراتها، فقام بانقلابه الخبيث بعدما غدر بابن عمه المغامر بحياته بحثاً عن المرعى والكلأ لقومه وعشيرته بعد سنوات قحط وجدب وانحسار أمطار الخير عن ديرة قبيلة الغيث.
فاليوم قد طاب الجو لدهمان الشرير وبات قادراً على فرض رؤاه وتصوراته على أبناء قبيلته، فضلاً عن عشائر الجوار الذين يخشون قوة الغيث وسطوتها. ففتح دفاتره العتيقة وأرسل خادمه في الاتجاهات كلها بحثاً عن رفاق السوء ممن عمل معهم سنوات طويلة على قطع الطرقات ونهب القوافل وسرقة بيوت الآمنين، فاجتمعوا إليه سريعاً بأسمالهم الممزقة وأحذيتهم البالية وشعورهم المنكوشة ذات الروايح النتنة وبأشكالهم المقرفة، فأدخلهم حمامات النظافة وأبدلهم ملابسهم وزين ذقونهم وشعورهم وأوقفهم أمامه وراح يرتب ملابسهم ليلائموا مجلس حكمه الجديد.
وقام بترتيب مواقعهم كونهم غدوا أصحاب القرار في بلاد الأخيار، فأجبروا الرعاة على حراثة الأرض وزراعتها وأمروا النساء على حراسة البيوت ليلاً وغيروا مسارات الأقنية وكلفوا الصبية الصغار بتنظيم جداول العمل وعهدوا للضعفاء والمرضى بحفر الآبار في الصخور الصلدة، وتباهوا عند المساءات بالحديث عن حال الرخاء ورغد العيش بعد إزاحة الختيار وإبعاد الحكيم وكف يد العامل وسجن الراعي والحجر على الفارس واستبعاد المعلم الشديد ذي الرأي السديد، فعاش الجمع في هم وتنكيد أياماً صعبة بانتظار النهاية الصعبة وموت الجماعة تحت وقع غزوات قطاع الطرق وفساد الجوار وكره الأقارب.
كان هذا الحلم كابوساً يؤرق خيالي تستعيده الذاكرة الموجوعة يوماً إثر آخر وأنا أعمل ضمن البرامج الإلكترونية والتطبيقات محاولاً كشف متاهاتها فأقوم بتغيير إعدادات جهاز الكومبيوتر الحديث فأحصل على نتائج صادمة تخالف البناء البرامجي الدقيق الذي وضعه علماء وخبراء ومجربون عملوا لسنوات طويلة على تنظيم عمل تلك الأجهزة الدقيقة بحيث تقدم الخدمات الصحية والصحيحة ولا تخرج عن نواميس العمل النظيف والصحيح، فلا نعبث بالإعدادات الصحيحة كي لا نحصد النتائج المخيبة للآمال.