الثورة- عبير علي:
يسعى كل فنان إلى إيصال ما في داخله من خلال اختياره لعمله الفني واستخدامه لأدواته وخاماته المناسبة، حتى وإن كانت غير مألوفة، كاللباد الذي وإن كان من الصعب الرسم عليه، إلا أن الفنان التشكيلي المبدع وضاح السيد قام بذلك يقوده إحساسه وموهبته إلى الفكرة والتطبيق، ما جعل النتيجة مبهرة.
دفعه ذلك إلى افتتاح «معرض اللباد» الأول سنة ١٩٩٩ في صالة دمشق، وحضره حينها كبار الشعراء والأدباء، وكانت كل لبادة باسم قصيدة لأحدهم، ومنهم مظفر النواب وممدوح عدوان وأدونيس ومحمد الماغوط ونزار قباني وسعدي يوسف والبياتي وأسعد جبوري، وحضر عدد مهم منهم، وحصل على مديح واستحسان أساتذته على ابتكاره الفريد، الذي لم يسبقه أحد إليه.
فاللباد مادة لا يمكن الرسم عليها، لأنها من الصوف لكن الفنان السيد ابتكر مادة عازلة دهن بها اللبادة فأصبحت قابلة للرسم «فكرةً وتطبيقاً».. وتضمن المعرض لوحات شخوصها ورموزها مستوحاة من فنون السوريين القدامى وتحديداً الفينيقيين.
وفي حديثه لصحيفة الثورة حول خصوصية آخر لوحة مرسومة بريشته على مادة اللباد، والتي حملت اسم «فاطمة» يقول السيد: تنتمي هذه اللوحة إلى أسلوبي التعبيري الخاص بهذه المرحلة من مشواري الفني، وجاءت نتاجاً إبداعياً ألهمتني فيه قصيدة نزار قباني «مع فاطمة في قطار الجنون»، ومنها أقتبس: آه يا فاطمة.. آه.. يا أيقونة العمر الجميلة.. يا التي تأخذني كل صباحٍ من يدي نحو ساحات الطفولة… وتريني تحت جفنيها شموعاً مستحيلة.. وبلاداً مستحيلة.. أيها الكنز الخرافي الذي كان معي في قطارات الشمال.
ويتابع: بدأت برسم هذه اللوحة على سطح اللباد الخشن، كما نَسَجَتْ ملامحها مخيلتي، رسمتها متمددة في جلستها مثل الملكة السورية «زنوبيا»، وفي خلفية اللوحة ورائها سلالة من الخيول البيضاء كرمز لأصالتها، وعلى يمينها مزهرية فيها أزهار نادرة دلالة على إحساسها الراقي وذائقتها ذات الثقافة الجمالية العالية.
واخترت عائلة لونية درجاتها تميل للحيادية بين الرمادي والترابي المُخضر أو المصفر والأبيض والأسود، وهي ألوان فيها تقشف كي تتماشى عناصر اللوحة بصرياً مع ملمس مادة اللباد وجماليات نسيجها الخشن، فباتت اللوحة تأخذنا إلى ملاذ روحي فيه جمال وسمو.
