شكراً للمصرف التجاري السوري على مبادرته الإنسانية والمجتمعية والخدمية والاقتصادية والبنكية، وحتى المرورية، بتخصيصه موظفين في الأفرع للمرور على القرى وفتح الحسابات لكبار السن والجرحى، بعد أن طلبت الحكومة من كل من يحمل بطاقة الكترونية ( ذكية ) ولا يمتلك حساباً في أحد البنوك أن يقوم بفتح حساب خاص به لتحويل مبالغ الدعم النقدي إليه، البديلة عن الدعم السلعي، والمسألة باتت معروفة.
وفي الحقيقة هذه مبادرة لم نكن نتوقع أن يُقدِم عليها أي من البنوك، وقد نوّهنا عن ذلك مؤخراً ( وعلى الملأ ) في الثلاثين من حزيران الماضي هنا في صحيفة الثورة ولفتنا تحت عنوان ( إنتَ فين والحب فين ) إلى الصعوبات والمعاناة القاهرة التي سيتكبدها الكثيرون من أبناء القرى البعيدة النائية، ولاسيما كبار السن منهم عندما سيضطرون للسفر إلى مراكز البنوك في المدن، وسط تكاليف السفر المرهقة ومصاعب النقل من أزماته الأشد إرهاقاً، ونوّهنا إلى أنه قد يضطر البعض منهم لتكرار السفر غير مرة، كما قد يستحيل السفر على البعض، وبالتالي سيبقى خارجاً عن قوائم استحقاق الدعم.
وقلنا إنه كان يمكن للحكومة أن تأخذ هذه الناحية بالحسبان، وتحرص على راحة مواطنيها، وعدم جرجرتهم بهذا الشكل المهين.
وتساءلنا : كم كان أنيقاً ومريحاً ولبقاً لو أنها أوجدت طريقة موازية وطارئة لفتح الحسابات تقترب منهم .. تساعدهم .. وتنشد راحتهم، إذ كان يمكن – مثلاً – الإعداد بشكلٍ مسبق لهذه الخطوة، وتزويد بلديات القرى .. أو مدارسها باستماراتٍ لفتح الحساب موزعة على مختلف البنوك ليُتاح المجال أمام المتعامل اختيار البنك الذي يرغب التعامل معه، وتشكيل لجان لتعبئة تلك الاستمارات بشكل دقيق من موظفي البلديات أو من المعلمين والمدرسين، ومن ثم يذهب أبناء القرى إلى البلدية أو المدرسة أمام تلك اللجان لإنجاز الأمر، ومن لا يستطيع المجيء تقوم اللجنة بالذهاب إليه في منزله ثم تُنقل تلك الاستمارات إلى البنوك المعنية فتعتمدها وتزوّد اللجان بأرقام الحسابات لتقوم تلك اللجان بدورها في تسليمها لأصحابها .
وفي نهاية ما طرحناه ألمحنا إلى أنّ هذا السيناريو بعيد المنال، وفي الحقيقة تحدثنا عن ذلك ونحن نستبعد أن تقوم أيّ من الجهات المختصة أو البنوك بالتحرك من أجل الدخول في مثل هذه المبادرة، ولكن قلنا : عسى ولعلّ، ليُفاجئنا المصرف التجاري السوري بهذه الاستجابة، أو على الأقل بهذا التقاطع في الفكرة والرؤية، فألف ألف شكرٍ له على مبادرته، وعلى تقديمه الدليل الدامغ بأن مثل هذه الخدمات المريحة للناس ممكن جداً أن نراها ونطبقها على أرض الواقع عندما نرتقي لنشعر ببعضنا، وكل منّا يتحسس آلام الآخرين ويحاول التخفيف منها، فلم نعد نشك أن ما طرحناه في الثلاثين من حزيران ليس خيالاً ولا وهماً وإنما كان حقيقة كامنة قابلة للتطبيق، ولا تحتاج إلى أكثر من عزيمة وقرار مبنيين على تلك الحقيقة المؤلمة التي سنراها إن لم تحصل هذه المؤازرة.. شكراً للتجاري السوري ولكل بنك بادر لاتخاذ مثل هذه الخطوة مهما تكن خجولة.
هامش :
مساء أمس تحدث وزيرا الاقتصاد، والتجارة الداخلية ( د.سامر الخليل ومحسن عبد الكريم ) على الفضائية السورية عن تجربة الدعم النقدي التي ستتم، وأوضحا نقاطاً هامة جداً ومطمئنة بالشكل البنيوي النموذجي، غير أن البنية الحقيقية للقرى – وهي أكثر من 9000 قرية ومزرعة في سورية – هي بنية بائسة وفقيرة لمعظم الخدمات الداعمة لنجاح هذه الخطوة من الدعم النقدي، مرورياً وشبكيّاً وخلو القرى من كل أصناف الخدمات البنكية في حين أن التعاطي المصرفي سيكون يومياً بهذه الحالة مع السكان، وهذا أمر يحتاج بكل تأكيد إلى حل جازم .. أو أننا سنكون مستعدين – ضمن كل الاستعدادات – إلى فشل الخطوة .. أو تعثرها بقوة على الأقل.
التالي