الثورة _ هفاف ميهوب:
من يقرأ أعمال الكاتبة الأفرو ـ أميركية «أوكتافيا بتلر»، التي تُعتبر أشهر أديبات الخيال العلمي، لا بدّ أن يتوقف لدى القضايا التي طرحتها، وتتناول أحداثاً متخيّلة ومظلمة ومستقبلية، بل النبوءات التي أطلقتها، وتتصوّرانهيارأميركا بسبب العنف، وصراع البشر وكائنات الفضاء، والكوارث والدمار والهيمنة والأزمات والعنصرية.
«الأرض نفسها قعقعت، وكأنما صواعقٌ مدفونة فيها، اهتزّت وارتجفت، ثمّ وكأنها هبطت. أنا متأكدة أنها هبطت، لكن إلى أي عمق؟!».
نعم، لقد استقرأت «بتلر» المستقبل، أو ربّما رأت ملامحه فقرّرت أن تروي «مَثَل الزارع».
الرواية التي بدت حين نُشرت عام ١٩٩٣، كرواية خيالٍ علميّ ديستوبيّ عن كاليفورنيا عام ٢٠٢٥. ذلك أن أزمة الاحتباس الحراري، لم تكن واضحة على حياة الناس، ولم يكن الخوف من الاستيقاظ على أخبار الحرائق الهائلة، أو تصوّر أزمة شحّ المياه والأمن الغذائي، متوقعاً لديهم، ولا حتى الإدمان على المخدرات المصنَّعة في السراديب، وعلى التقنيات التي تفصل الإنسان عن الواقع، بسماعات الرأس وخواتم اللمس.
يا ترى، هل يكمن سبب كلّ ذلك، في الفوضى والفساد وانعدام كفاءة الحكومة الأميركية؟..
رغم أنه سؤال بطلة الرواية، إلا أنها تقضي أغلب أوقاتها وهي تفكّر باستكشافِ الفضاء، علّها تجد فيه دافعاً للبقاءِ، في عالمٍ غزته الأوبئة والاضطرابات وحرائق الغابات، وغير ذلك من الكوارث التي باتت تثير القلق، مما يحمله المستقبل في عالمٍ كرهت فيه حتى موطنها، وتدلّ على ذلك بالكلمات:
«هو موطني، لكني أكرهه، فقد بات كالجزيرة المحاطة بأسماكِ القرش، عدا أن أسماك القرش لن تزعجك ما دمت لن تخوض في الماء، لكنّ أسماك قرش البرّ في طريقها إلينا، إنها مسألة وقت كي تجوع كفاية».
بيد أن كلّ ذلك، لم يكن لدى «بتلر» كاستشراف للمستقبل البشري، بل كان وباعترافها على لسان بطلتها، عبارة عن مراقبة وتدوين الملاحظات حول الناس والواقع الأميركي.. أي قراءةِ هذا الواقع الذي رأته يستهلك البشرية، ويقودها إلى دمارٍ لا خلاص منه، إن لم تجتهد لبناءِ حياة جديدة، وتسعى إلى تغيير واقعها وتحصينِ نفسها، من التردّي والظلم والهيمنة والتقنية.
«هذا ما علينا فعله الآن، الاستعداد للنجاة مما هو قادم، والتركيز على تدبير نجاتنا، بحيث لا نكون كُرة يتقاذفها المجانين، أو حتى اليائسين والسفّاحين، وقادتنا الذين لا يعرفون ماهم فاعلون».
باختصار: «مثل الزارع» رواية تتصوّر مستقبل الحضارة الإنسانية، في ظلّ العنف والكوارث والاقتتالات التي سببها الولايات المتحدة الأميركية.. روايةٌ تبحر في تفاصيلِ الحياة التي يعيشها العالم، نتيجة الفوضى والفساد والقتل والتقنيات، والتغيير المناخي وجشع الشركات.
إنها أيضاً، حكاية تدعونا إلى البحثِ عن سبل نجاتنا، وتنبّهنا إلى أن علينا الاستعداد للتغييرالقادم، وليس فقط الاستعداد له، بل وللتغيّر معه عبر خلقِ حياة جديدة، إما أن تنقذنا وإما أن ننتهي إلى الهلاك..
فعلاً: «كلّ شيءٍ تلمسه بحبٍّ يتغيّر، وكلّ ما تغيّره يغيّرك.. وحدهُ التغيير حقيقة باقية..»..