الاستعمار الإعلامي.. وصناعة الوعي الزائف

ديب علي حسن
يدعون أن عهد أو عصر الاستعمار قد ولى إلى غير رجعة وأن الشعوب قد حققت استقلالها التام المنجز ..والغرب قد عاد إلى رشده ويعمل على تكفير خطاياه عن كل المراحل السابقة.
هذا كله نقرؤه ونتابعه كل ليلة ومع كل منشور وربما يمكننا القول إنه غذاء النشرات الغربية اليومية.
صدق بعضنا هذا ويذهب بعيدًا في الدفاع عنه….
ولكن هل فتش قليلاً في الاستعمار الجديد وأساليبه الاستلابية التي تستعمر وتحتل العقل قبل كل شيء.
ومن يحتل العقل ويستعمره يصل مبتغاه بكل ما يريد..
بل يحول المحتل عقله إلى مجرد تابع وخادم ينفذ ما يؤمر به وهو مسرور بل ربما راهن أنه يمارس حريته..
التابع لا يستطيع أن يتكلم ولا أن يعبر وهو لا يعرف أنه مسلوب الإرادة تتساءل إحدى الدراسات :
(هل يستطيع التابع أن يتكلم؟ «ولأول وهلة، يبدو وكأنه نوع من الاستفهام الاستنكاري، فمن الطبيعي أن يتكلم التابع، فهو كائن بشري يستطيع الكلام، والكتابة، والتعبير، لكن مؤدى الفكرة التي تريد سبيفاك طرحها هو هل توفرت السياقات الثقافية المؤاتية للتابع لكي يتكلم؟ هل يتمكن من الحديث، وإسماع الآخرين صوته؟ فالشعوب المستعمرة سلب منها حق تمثيل نفسها، أي سلبت حق الكلام، والكلام هو الوسيلة الوحيدة لتأسيس معرفة متماسكة عن التابع، ووعيه، ووجوده، بعبارة أخرى فثمة فرق بين الفكرة القائلة إن التابع فرد مندمج في جماعة، والأخرى القائلة إنه كائن جرى تمثيله عبر الخطاب الاستعماري)
بدوره حذر شوقي جلال المفكر المصري في كتابه المهم ( العقل الأميركي يفكر ) حذر من مثل هذا الاستلاب وبين كيف يتم العمل عليه بذكاء.
(لقد أضحت صناعة الوعي أو تصنيع العقل وصياغة ثقافات الشعوب فنًا دوليًا أو تقنية تملك زمامها الولايات المتحدة أو الشركات متعدية القوميات، ومن سخرية الأقدار أن تطالب هذه الشركات بإلحاح بحقوق الإنسان في جميع البلدان وتدعو إلى عقل حر ولكن بمعنى:عقل متحرر من ثقافته القومية وانتمائه القومي وأهداف القومية أي نبتًا بغير جذور وصفحة بيضاء تملؤها بما تشاء من خلال برامجها، وأداتها في ذلك التليفزيون والسينما والكتب والصحف والأنباء والإعلانات الموجهة والمرسومة خصيصًا لهذا الغرض والعلاقات العامة والموضة وكذلك إنشاء جماعات سياسية ودينية واجتماعية بل وخلق بدع دينية أو اتجاهات تحمل طابعًا دينيًا لإثارة الشقاق والفتن وتصدير قضايا ومذاهب فكرية تثير الخلاف وتستنزف الجهد ثم هناك برامجها وسياساتها الخاصة بمؤسسات ثقافة الطفل وكلها لصوغ عقول الناشئة داخل البيت وفي الطريق وفي المحال العامة وداخل المدرسة.
وهكذا يتحول الغزو الفكري أو التضليل الإعلامي إلى أداة للقهر والترويض وإخضاع الشعوب. ويصدق هنا وصف شيلر للاستعمار الإعلامي إذ قال:إنه جهد منظم وواع تقوم به الولايات المتحدة من خلال تنظيماتها الاقتصادية والعسكرية والاعلامية من أجل الحفاظ على تفوقها الاقتصادي والسياسي والعسكري، وحيث أن الاقتصاد العالمي المعاصر يسعى إلى تعزيز سيطرته من خلال تحالف رأس المال العالمي وتحطيم الحواجز القومية وتوحيد السوق العالمية فإن القضية في المجال الثقافي تصبح كيفية توظيف الإعلام والثقافة في مجتمعات العالم الثالث لخدمة هذه الأهداف أي ترسيخ تبعتيها الاقتصادية بوضع إمكاناتها الثقافية والإعلامية في خدمة مصالح رأس المال العالمي وأجهزته.
وترتضي النخبة الحاكمة في بلدان العالم الثالث هذا النهج في ترويض الشعوب لأنه ضمان بقائها في السلطة وأداتها هي أيضًا لتطويع الجماهير وتذليل قيادتها، ولا بأس من تكثيف الجرعة والمبالغة في برامج الإفساد والإغراق في الخيال كلَّما استشعرت نذير خطر واحتمال أن يكشف الشعب عن إرادة اجتماعية وجماعة للتغيير أو كما يوصف الأمر أحيانًا :تهديد الاستقرار.
وتوظف الشركات متعدية القوميات نشاطها الإعلامي هذا لأغراض سياسية أيضًا تتمثل في شراء ذمم رجال الدولة و النخبة ولو من خلال العمولات الضخمة لصفقات تجارية حتى تبدو أمرًا مشروعًا، ويفيد هذا أمرين إذ تخلق منهم شريحة اجتماعية متميزة بحكم ثرائها الطارىء ومنعزلة عن المجتمع ثم يمهدون السبيل أمام الشركات (متعدية القوميات) لإنجاز مهامها وأغراضها لخلخلة القيم وإشاعة الفساد والرشوة، وليس هذا بجديد بل إنها قضية واضحة تنبهت لها وحذرت منها مؤتمرات دول عدم الانحياز والدول الأفروآسيوية إذ تحرص هذه الدعوة في مؤتمراتها على الاهتمام بموضوع الخلل في تدفق أو في ميزان المعلومات خاصة بالنسبة للثقافة ومحاولات تشويه صورة الدول النامية.
وتطالب هذه الدول بإقامة نظم اتصال خاصة بالعالم الثالث وتقديم العون لوكالات الأنباء في الدول غير المنحازة والقرار حق الحكومات في تقييد حرية بعض مصادر الأنباء وتدفق الأنباء عبر الحدود القومية وإنشاء محكمة عليا تابعة لليونيسكو لمراقبة سلوك وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم).
تابعوا الآن محطات الإعلام الغربي وما تقدمه من أخبار حول غزة ولبنان ..ستروا أنها أكثر فتكاً من كل سلاح حربي ..ومعها بعض الإعلام العربي المتصهين .

آخر الأخبار
صندوق الأمم المتحدة للسكان: كارثة إنسانية على الأمهات والولادات بقطاع غزة  العمل من المنزل بين الراحة المأمولة والعبء الخفي.. قراءة في الفرص والتحديات  فواز تللو لـ "الثورة": مساحة مفتوحة للحريات والعمل السياسي والتعبير عن الرأي  تأهيل آبار وإزالة تعديات على خطوط مياه الشرب في درعا   وزير المالية: منحة سعودية تصل إلى 60 بالمئة ضمن تمويلات الصندوق للتنمية في سوريا  تمديد ساعات عمل باصات النقل الداخلي في اللاذقية  تحديات تعوّق تنفيذ المخطط التنظيمي للواجهة الشرقية للكورنيش البحري بطرطوس   وزير التعليم العالي لـ"الثورة": 40 جهاز غسيل كلية في الخدمة قريباً  باراك: نعمل مع شركائنا لبناء سوريا موحدة وآمنة فيدان: لا تفاوض تحت تهديد السلاح وتركيا ترفض شرعنة الكيانات المسلحة في سوريا  المئات من أهالي العنازة بريف بانياس يقولون كلمتهم: سوريا واحدة موحدة ويجمعنا حب الوطن مشاركة لافتة للمغتربين في "كيم أكسبو".. أثبتوا جدارتهم في السوق الدولية فرنسا تلغي مذكرة التوقيف بحق المخلوع  الأسد وسط تصاعد المطالبات بالمحاسبة الدولية فعاليات من اللاذقية لـ"الثورة": سيادة القانون والعدالة من أهم مرتكزات السلم الأهلي وزير الاستثمار السعودي يطلع على الموروث الحضاري في متحف دمشق الوطني مذكرة تفاهم سياحي بين اتحاد العمال وشركة "لو بارك كونكورد" السعودية كهرباء ريف دمشق تتابع إصلاح الأعطال خلال يوم العطلة وزير الاستثمار السعودي يزور المسجد الأموي محافظ درعا: استقبلنا نحو 35 ألف مهجر من السويداء ونعمل على توفير المستلزمات باريس تحتضن اجتماعاً سورياً فرنسياً أمريكياً يدعم مسار الانتقال السياسي والاستقرار في سوريا