خميس القطيطي – كاتب من سلطنة عُمان:
عندما تفشل الأمم المتحدة في حماية القانون الدولي وحماية حقوق الانسان وعندما تفشل في حفظ الامن والسلم الدولي وتعجز عن حماية الأبرياء والمدنيين فمن المؤكد أن هذا النظام العالمي لا يملك القدرة على توفير الحماية لنفسه من الانهيار وبات فاقدا القدرة على البقاء في حكم العالم وهنا لابد أن ينزلق العالم لمواجهة كبرى وحرب عالمية ثالثة تفرز نظاما عالميا جديدا وقد بات ذلك وشيكاً في ظل التداعيات الأمنية والقانونية الخطيرة وعدم قدرة الامم المتحدة على حماية ميثاقها، وللأسف الشديد أن الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية التي أنشأت النظام العالمي الراهن هي من يقوم بتدمير هذه المنظومة العالمية.
الدول الفاعلة في النظام العالمي القائم وعلى رأسها الولايات المتحدة تتحمل كامل المسؤولية الدولية للعبث بهذا النظام العالمي فهي التي توفر الغطاء السياسي لجرائم الكيان الصهيوني المجرم بل ساندته عسكريا في توسيع جرائمه واسهمت في غياب العدالة والقانون الدولي وامتهان الكرامة الانسانية وانتهاك حقوق الدول والشعوب ولاسيما في أبرز القضايا العالمية (القضية الفلسطينية) ما ولد حالة من عدم الثقة لدى الدول والشعوب في تطبيق القانون الدولي أكثر من أي وقت مضى ويجدر الاشارة هنا أن الأمم المتحدة أصدرت قرارات وقف إطلاق النار في العدوان البربري الهمجي الذي تجاوز عشرة أشهر على قطاع غزة لكنها لم تستطع تفعيل قراراتها التي صدرت عبر مجلس الامن أو الهيئة العامة أو عبر المحاكم الدولية التي أنشأتها فتجاوز الامر كل الحدود ما ساهم في نسف قواعد القانون الدولي.
استهداف القيادات السياسية والعسكرية والعلمية بعمليات اغتيال يتم الاشراف عليها بشكل رسمي من قبل الكيان الصهيوني المارق بصواريخ عابرة للحدود وفي دولة ثالثة وعن سبق اصرار وترصد كما حدث في عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس الشهيد إسماعيل هنية في طهران الاسبوع الماضي وهو الذي يمثل القيادة السياسية التي تتفاوض من أجل وقف اطلاق النار منذ بداية العدوان الصهيوني.
ومن هنا فإن الخيارات لدى طهران مفتوحة للرد وتوجيه ضربة موجعة ومؤلمة لهذا الكيان المجرم وإن لن يرتدع برد قوي فإنه سوف يستمر في انتهاك سيادة الدول وكرامتها واليوم يحق ل لإيران الدفاع عن سيادتها والثأر لكرامتها بكل ما تملك من امكانيات للرد وهي بلا شك تملك أدوات وقدرات الردع لتأديب هذا الكيان المجرم، مع العلم أن الكيان الصهيوني نفذ عدد من الاغتيالات السياسية منذ بداية احتلال فلسطين وهو مستمر في الاغتيالات كما هو مستمر ايضا في اجتياح المدن الفلسطينية والاعتداء على الابرياء بالقتل والتعذيب وينفذ سياسة الاعتقال بفرض القوة القاهرة وقد وصل عدد الشهداء بين الاسرى بفعل عمليات التعذيب أكثر من 60 مواطن فلسطيني منذ 7 أكتوبر الماضي منهم نساء وأطفال قصر فماذا يعني ذلك؟!
الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945 تلا ذلك تشكيل نظام عالمي جديد (الامم المتحدة) للاسف هذه الدول هي التي تكرس الظلم العالمي وغياب العدالة الدولية بشكل سافر وأشعلت الحروب والاعتداء على الدول والشعوب فكم من الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة وما تبعها من مآسي وآلام منذ استخدام القنابل النووية على نجازاكي وهيروشيما باليابان واحتلال الدول بالقوة العسكرية القاهرة بمسوغات وافتراءآت كاذبة تقدم على منصة مجلس الأمن ثم تذهب منفردة خارج نطاق ما يسمى الشرعية الدولية لتشعل الحروب على الدول وفرض الامر الواقع فهل هذه هي عدالة السماء؟! وهل بعد كل هذه الخطايا والانتهاكات والعبث بالحياة الانسانية وقتل الابرياء تنشد الولايات المتحدة السلامة والنجاة لها وللعالم؟!
نعلم أن القانون في أي نظام وضعي عالمي يتبنى مصالح الدول المنتصرة التي وضعته ليحكم العالم بالقانون ومراعاة المصالح الدولية ولكن تحول هذا النظام الى تكريس الظلم العالمي وتتعمد الدول الراعية له المشاركة في تنفيذ العدوان كما هو الحال في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر العام الماضي وحتى اليوم فأصبحت هذه الدول أداة طيعة في خدمة المشروع الصهيوني الذي تأسس منذ عام 1897م في مؤتمر بازل المؤتمر الصهيوني الأول والذي قام على اغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني.
ما يحدث في اوكرانيا بإشعال حروب بالوكالة يسهم أيضاً في تهديد السلم الدولي بدلاً من الدفاع عنه لذلك فإن العالم اليوم يدفع دفعا نحو المواجهة الكبرى التي أوشكت على الاشتعال، وكما هو معلوم فإن الحرب العالمية الأولى اشتعلت بسبب اغتيال ولي عهد النمسا والحرب العالمية الثانية اشتعلت بعد غزو ألمانيا لبولندا وربما أن مقدمات الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل فالعالم أصبح على صفيح ساخن والاصطفاف العالمي اليوم في محاور على أهبة الاستعداد للاطاحة بالمحور الآخر في حالة عالمية أخطر من الحرب الباردة، كما أن العدوان الهمجي على قطاع غزة وتنفيذ سياسة الاغتيالات للقيادات السياسية والعلمية والعسكرية وانتهاك السيادة والكرامة للدول دون أي رادع أو إجراء تحقيق دولي يدلل على غياب الامان العالمي وهذا بحد ذاته يكرس حالة الفشل التي تكتنف المشهد العالمي كله وهي مؤشرات تدل على انفلات العقد العالمي وغياب الأسس والقواعد التي تأسس عليها النظام العالمي كلها تنذر بالخطر وكفيلة بإشعال الحرب العالمية الثالثة التي بدأت تقرع طبولها وعلى الدول العربية أن تحدد مواقفها المستقبلية وتكون مستعدة لأنسب الخيارات قبل وقوع الكارثة.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العُمانية ورأي اليوم