الثورة – تحقيق سهى درويش:
تزايد في أعداد المتسولين والمتشردين، الذين باتوا يتخذون من شوارع مدينة حلب وساحاتها وحدائقها وحتى الأحياء الفرعية فيها مكاناً لاستجداء التعاطف وكسب المال، وعدتهم ثياب رثة وقطعة بسكويت أو علكة وغيرها، ومقدرة على التحاور والاستجداء من المارة لإعطائهم النقود.
أساليب وصور
واللافت الأساليب المتنوعة في التسول من أطفال صغار تتراوح أعمارهم بين الأربع سنوات حتى العاشرة، وهؤلاء مهمتهم السير في الشارع وطلب المال، أما الأعمار الأكبر والتي جاوزت الأربعين عاماً سواء من النساء وحتى الرجال فأساليبهم مختلفة وأماكنهم ثابتة وعدتهم تتموضع على الشارع بأشياء بسيطة وبأسعار للبيع ما فوق الألفي ليرة بحدودها الأدنى تناسباً مع الغلاء، وكلماتهم يختصرونها بطلب المساعدة المادية والحاجة كونهم مرضى أو معيلين لعائلة، ومأواهم بالآجار، ولن ننسى الأمراض المزمنة والعمليات التي لا نجد دواءً مطابقاً لها ضمن وصفة طبية الغرض منها تأكيد حاجتهم.
ولعل أكثر المشاهد إيلاما لنساء يفترشون أماكن رئيسة في أحياء المدينة كمحطة بغداد وتحت جسر تشرين والجميلية والعزيزية، وبجوارهم طفل لا يتجاوز بضعة أشهر يتسولون المال بحجة شراء الحليب له.
تسول في الأحياء الراقية
أما حي “الموكامبو” فله نصيبه من المتسولين والمتشردين الذين عهدنا تواجدهم منذ سنوات بمكان ثابت، وبنفس الأسباب والعدة وحتى الملابس والكلمات، ولكن ما ينغص تواجدهم تزايد أعداد المنافسين لهم بالمهنة.
أما كبار السن فبعضهم ممن تبدو حاجته للمال اتبع بيع الخبز أو بعض المنتجات المنزلية بسعر مرتفع وأسلوب للإقناع بجودة المنتج وفي حال الفشل بالبيع لابدّ من طلب المال لكي لا يعود بلا نقود.
في الساحات والحدائق
ما يستجدي الشفقة والاستغراب هو النوم على الأرصفة، وفي الحدائق لأشخاص بأعمار متفاوتة، غير آبهين بحر الصيف وبرد الشتاء، ولا يمنعهم الضجيج من التمتع بقيلولتهم، وخلال محاولاتنا للحديث مع أحد الأطفال الذي يفترش الرصيف واعتدنا مشاهدته إلا أنه لم يتجاوب معنا، ونظراته تشي برغبة في ابتعادنا عنه ليعود لنومه.
مسؤولية مجتمعية
مدير الشؤون الاجتماعية والعمل أحمد حمزة أوضح لـ “الثورة” أن هذه الظاهرة مسؤولية مجتمعية تحتاج لجهود مكثفة لتوصيف الحالات والبحث في واقع المتشرّدين والمتسوّلين والأسباب وإيجاد الحلول المناسبة للحدّ منها.
وأوضح أن المديرية مهمتها فقط نقل الأشخاص المتشردين والمتسولين من الأقسام الشرطية وتسليمهم للقضاء، أما ملاحقتهم وضبطهم من مهام وزارة الداخلية والأقسام الشرطية التابعة لها.
وأضاف مدير الشؤون: إن الإمكانات ضعيفة ولا توجد جمعيات كافية لاستيعاب الحالات، وحتى دار رعاية المتشردين والمتسولين يستقبل فوق طاقته.
40 حالة تسول في يوم واحد
وبين حمزة أن هذه الظاهرة بحاجة للتشدد بالعقوبة للحدّ من تفاقمها، فخلال بداية شهر آب ضبط قسم شرطة الشهباء في يوم واحد أربعين متسولاً، ونحن بانتظار قانون جديد سيصدر قريباً يلحظ الحالات، لعل التشدد في القانون يضبط الحالة وينهي هذه الظاهرة التي باتت حرفة للبعض يعتاش عليها دون رادع أخلاقي، أو عقوبة متشددة، واللافت معرفتهم بالقانون والعقوبة والالتفاف عليهما بحمل بضع أغراض بحجة أنهم يبيعون ما بحوزتهم كي لا تتم ملاحقتهم.
العامل الاقتصادي أبرز أسبابها
مدير دار الرعاية والتأهيل في جمعية رعاية المتسولين والمتشردين آية نمور أوضحت أن هذه الظاهرة ازدادت أثناء وبعد الحرب على سورية، ولعل من أسباب تفاقمها العامل الاقتصادي والتفكك الأسروي، حيث لدينا أطفال أهاليهم موجودين، ولكنهم لا يرغبون بالعيش معهم خوفاً من جعلهم يتسولون في الشوارع بسبب الضائقة المادية واستغلالهم للعمل ونحن في الجمعية لحظنا عند تأسيس دار الرعاية الحالات التي نستقبلها وقمنا بتأهيلها ضمن الطاقة الاستيعابية ٢٤ طفلاً تتراوح أعمارهم بين ٥ – 12 عاماً، ونعمل على تأمين الاحتياجات الأساسية للأهالي والأطفال ومتابعتهم بعد خروجهم من الدار، وربطهم بالمدرسة، والتشبيك مع الجهات المختصة لتأمين دورات محو أمية لبعض الأطفال، بالإضافة لتقديم تدريب مهني للأطفال فوق سن ١٢، ولدينا عدد كبير من المتطوعين للدار وكانت خطة العمل كخلية نحل متكاملة على مدار الساعة، ونحاول جميعاً حتى نقضي على ظاهرة التسول بالتكافل والتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والجهات المختصة.
وأضافت نمور أن الإمكانيات ضعيفة للتوسع بالدار وتمويلنا ذاتي، ونستقبل حالياً ٤٣ طفلاً، منهم بأعمار صغيرة جداً حوالى السنتين والنصف وأهاليهم منفصلين ولا يرغبون بتربيتهم، وهناك أطفال لا يرغبون بالعودة لأهاليهم خوفاً من التعنيف.
ورأت أن تعديل القانون قد يكون رادعاً للأهالي في الحفاظ على أبنائهم وعدم تركهم لمصير مجهول، إضافة لضبط المشغلين والمستغلين للأطفال الذين يجعلونهم يتسولون في الشوارع لجني المال، وفي حال تم ضبط المتشردين والمتسولين تتسع مساحة الحركة لنا في التواصل مع الأهالي المحتاجين للمساعدة، ومن خلال عمل الدار استطعنا التعاون مع الأهالي وتأمين احتياجات الأطفال ليستمروا في تلقي تعليمهم.
متابعة مستمرة
وأوضحت نمور أنها تعمل على تعليم الأطفال، ومنهم لم يغادر الدار حتى يحصل على شهادة التعليم الأساسي لتكون دافعاً لمتابعة تعليمه، ومن هذا تتحقق أهدافنا وغاياتنا بالدار بالمحافظة على من كان بمسؤوليتنا ورعايتنا، ونحن على تواصل ومتابعة مستمرة مع الذين غادروا الدار لنتائجهم المدرسية ومن يعمل نتابعه في مكان عمله، بالإضافة لحل مشكلات من لم يتكيف بالحياة مع أسرته، ونأمل أن نصل لتعافي المجتمع من مظاهر التسول، وما لحظناه بعملنا أن المساعدة النفسية والدعم المادي والمعنوي ولو بحدود بسيطة كانت نتائجه جيدة ووصلنا إلى أهدافنا من خلال تعاوننا مع الكثير من الأهالي وتوعيتهم،وهذا يشير إلى إمكانية إنهاء ظاهرة التشرد والتسول.
وتعتبر ظاهرة التشرد والتسول من أخطر الظواهر المجتمعية التي تحتاج لحلول حاسمة بقوانين صارمة وتكاتف مجتمعي للعمل على إنهائها، والمساهمة بإيجاد الحلول المناسبة والأهم تتبع التسرب المدرسي لدى الأطفال كي لا يتم استغلالهم من ذويهم بالتسول وتحديداً في المناطق الأشدّ فقرا وحاجة.
تصوير- خالد صابوني