سحر البحر وغلاء آجار الشّاليهات أفرغا جيوب المصطافين.. الفراح لـ”الثورة”: معظمها خاصة ولا تخضع لرقابة الوزارة
الثورة – تحقيق جاك وهبه:
شهد بدل أجور الشاليهات في الساحل السوري ارتفاعاً ملحوظاً هذا الصيف، مما جعل قضاء العطلة على شواطئ البحر حلماً بعيد المنال للعديد من العائلات.
ففي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، باتت تكاليف الإقامة في الشاليهات تتجاوز قدرة الكثير من المواطنين، وتتراوح في اليوم الواحد بين نصف مليون إلى مليونين وأكثر، لتشكل هذه التكاليف تحدياً كبيراً للعائلات المتوسطة الدخل، ممن تبحث عن فرصة للترفيه والاستجمام بعيداً عن ضغوط الحياة اليومية.
الطلب المتزايد
أصحاب المنشآت السياحية يعزون هذا الارتفاع في الأسعار إلى عدة عوامل، منها زيادة تكاليف التشغيل والصيانة، إلى جانب تراجع قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، مما يزيد من عبء التكاليف على أصحاب المنشآت، فيعمدون إلى نقل جزء من هذه التكاليف إلى المستهلك.
وفي حديثه لصحيفة “الثورة” أوضح ثائر- أحد مستثمري الشاليهات الخاصة في محافظة طرطوس، أن “الطلب على الشاليهات ما زال مرتفعاً رغم ارتفاع الأسعار، وهذا ما دفعنا إلى رفعها لتلبية التكاليف المتزايدة وضمان استمرارية العمل، ونحن نعي تماماً الظروف التي تمر بها العائلات، ولكن الأسعار تُفرض علينا من خلال التكاليف”.
وأضاف: نحاول تقديم خدمات إضافية لجعل الإقامة أكثر قيمة بالنسبة للزوار، مثل توفير أنشطة ترفيهية مجانية وخدمات تنظيف يومية، لكن ذلك لا يغير من حقيقة أن الأسعار أصبحت مرتفعة بشكل لا يمكن للكثيرين تحملها.
من جانب آخر، يرى بعض أصحاب الشاليهات أن سبب ارتفاع الأسعار يعود أيضاً إلى الطلب المتزايد من قبل السياح المحليين الذين يفضلون البقاء داخل سورية لقضاء عطلاتهم بدلاً من السفر إلى الخارج بسبب الإجراءات والتكاليف الباهظة التي قد تترتب على السياحة الخارجية.
خيارات صعبة
عند محاولة تقدير تكلفة رحلة اصطياف لعائلة متوسطة الدخل لمدة 4 أيام في أحد الشاليهات المتوسطة الجودة، نجد أن التكلفة قد تتجاوز 5 ملايين ليرة، يتم توزيع هذا المبلغ بين تكلفة الإقامة التي تصل إلى 700 ألف ليرة لليلة الواحدة، إضافة إلى تكاليف النقل والطعام والترفيه التي قد تشمل وجبات في المطاعم المحلية والأنشطة الترفيهية ومنها ركوب القوارب.
علاوة على ذلك، قد تزداد التكاليف بسبب الأنشطة الترفيهية الإضافية، مثل حجز طاولات في مطاعم فاخرة أو الاشتراك في الجولات البحرية، مما يجعل هذه الرحلات أكثر تكلفة ويضع العائلات أمام خيارات صعبة بين الاستمتاع برحلة صيفية أو الادخار لمواجهة متطلبات الحياة اليومية.
ورغم أن بعض الشاليهات تقدم عروضاً وخصومات خلال أيام الأسبوع أو في غير موسم الذروة، إلا أن هذه العروض قد لا تكون كافية لتخفيف الضغط المالي، مما يجعل الكثير من الأسر تتجه نحو خيارات بديلة كالإقامة في منازل الأقارب أو الاكتفاء برحلات يومية قريبة.
حلم بعيد المنال
ردود أفعال المواطنين حول هذه الزيادة في الأسعار تتفاوت، وقالت سعاد- ربة منزل: “كانت العطلة الصيفية في الساحل فرصة لنا لالتقاط الأنفاس والابتعاد عن هموم الحياة اليومية، لكن الآن أصبحت مجرد حلم بعيد المنال، ولا يمكننا تحمل هذه التكاليف”.
في المقابل، أشار بعض المتفائلين إلى أن هناك فرصاً للترفيه والاستجمام حتى في ظل الظروف الراهنة، معتبرين أن التخطيط الجيد والبحث عن العروض المناسبة قد يساعد في تحقيق عطلة مقبولة التكلفة، وفي هذا السياق قال أيمن، موظف: “بإمكاننا دائماً إيجاد بدائل مثل الإقامة في فنادق أصغر أو شاليهات أقل رفاهية، وفي النهاية الأهم هو قضاء وقت ممتع مع العائلة”.
من ناحية أخرى، يرى البعض أن غلاء الأسعار قد يكون له جانب إيجابي من حيث تقليل الازدحام في المناطق الساحلية، مما يتيح للأشخاص الذين يستطيعون تحمل التكاليف فرصة للاستمتاع بأجواء أكثر هدوء وأشار إلى ذلك نبيل- صاحب متجر من اللاذقية: الأسعار المرتفعة تتيح لي فرصة أفضل للاستجمام بعيداً عن الصخب، ورغم أنها ليست إيجابية بالنسبة للجميع، إلا أنها توفر نوعاً من التوازن في السياحة الداخلية.
خارج رقابة الوزارة
وفي ضوء التعثرات أمام المواطنين في تحمل تكاليف قضاء عطلة على الشواطئ، تواصلت صحيفة الثورة مع وزارة السياحة لاستيضاح دورها من هذا الارتفاع الكبير في الأسعار والإجراءات المتخذة لضمان توازن أفضل بين الاستثمار السياحي وحقوق المواطنين.
وفي هذا السياق، أوضح معاون وزير السياحة، المهندس غياث الفراح أن معظم الشاليهات الموجودة على الساحل السوري هي شاليهات خاصة فردية وغير مرخصة من قبل وزارة السياحة، وتالياً فهي لا تخضع لرقابة الوزارة من حيث الأسعار وجودة الخدمات، أما الشاليهات الموجودة ضمن مشاريع سياحية مرخصة، فهي تخضع لرقابة الوزارة وتلتزم بالسقوف السعرية المحددة، وفي حال تجاوزها، يتم ضبطها وفق أحكام القانون رقم /23/ لعام 2022 الخاص بترخيص وتشغيل المنشآت السياحية.
سقوف سعرية
وبالنسبة لارتفاع الأسعار في المنشآت السياحية بشكل عام، أشار الفراح إلى أن هذا الارتفاع يعود إلى عوامل متعددة، منها: ارتفاع أسعار حوامل الطاقة والمواد والأجور اللازمة لتشغيل هذه المنشآت، مؤكداً أن لوائح الأسعار الصادرة عن وزارة السياحة قد لحظت هذه الزيادة ووضعت هامش ربح مناسب للمستثمرين، وإذا تجاوزت المنشآت هذه الأسعار، تتولى الضابطة العدلية المختصة تنظيم الضبوط اللازمة واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.
بدائل شعبية
وأضاف الفراح، أنه نظراً لتأثير التضخم وارتفاع التكاليف التشغيلية على قدرة المواطنين على ارتياد المنشآت السياحية المصنفة (3-4-5 نجوم)، تسعى الوزارة بالتعاون مع بقية الجهات الحكومية المعنية لتأمين منشآت سياحية بأسعار مخفضة للسياحة الشعبية، والمأمول من الوحدات الإدارية والجهات العامة المالكة لمواقع على الساحل أو في مناطق الاصطياف التنسيق مع وزارة السياحة لطرح هذه المواقع لإقامة منشآت للسياحة الداخلية والشعبية، مما يوفر للمواطنين فرصاً لقضاء العطلات بأسعار معقولة.
خيارات مميزة
ويتابع في هذا الإطار، عملت وزارة السياحة على تنفيذ مشاريع للسياحة الشعبية في عدة مواقع على الساحل السوري من خلال الشركة السورية للنقل والسياحة، وتشمل هذه المشاريع شواطئ مفتوحة تقدم خدمات مميزة بأسعار مخفضة للشاليهات والكبائن الخشبية، مع إمكانية دخول الشاطئ للسباحة مقابل رسوم لا تتجاوز 3000 ليرة للشخص الواحد.
ومن الأمثلة على هذه المشاريع: “الكرنك” في طرطوس بجزئيه الغربي والشرقي، “شاطئ أبو عفصة” (المنطقة A)، “لابلاج 1” في وادي قنديل، “لابلاج 2” في الرمل الجنوبي، وفندق “دريكيش/ روزماري”، وقد تم توسيع مشروع “لابلاج 1” في وادي قنديل بإضافة وحدات مبيت جديدة، مسبح، وفعاليات ترفيهية، كما يجري العمل على إنشاء فندق في موقع “الكرنك الشرقي” (المرحلة الثانية) بسعة تزيد على 150 غرفة، جزء كبير منها مخصص للسياحة الشعبية.
الاستثمار وحقوق المواطنين
أما فيما يخص التوازن بين تشجيع الاستثمار السياحي والحفاظ على حقوق المواطنين في الوصول إلى الشاطئ، فقد أشار معاون وزير السياحة إلى أن خطة وزارة السياحة (2019-2030) تهدف إلى تشجيع وتطوير الاستثمارات السياحية من خلال جذب المستثمرين والشركات الاستثمارية وتقديم التسهيلات اللازمة لإقامة وتطوير المشاريع السياحية عالية الجودة، وذلك بهدف استيعاب الأعداد المتزايدة من السياح العرب والأجانب وتأمين العملات الأجنبية للخزينة العامة وزيادة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي، وفي الوقت نفسه، تركز الوزارة على تشجيع إقامة منشآت للسياحة الداخلية والشعبية لتأمين مواقع ارتياد للمواطنين السوريين بأسعار مخفضة وخدمات مميزة، وقد بدأت بالفعل في تنفيذ هذه المشاريع بالتعاون مع الشركة السورية للنقل والسياحة.
فخ التكاليف
في الختام.. تبقى معضلة غلاء أسعار آجار الشاليهات على الساحل قيداً على أحلام العديد من العائلات لقضاء عطلة صيفية على شاطئ البحر، وبينما يبدو أن الأسعار في ارتفاع مستمر، تتسارع الحاجة للبحث عن حلول تحقق توازناً بين قدرة المواطنين على الاستمتاع بعطلاتهم وبين التكاليف المرتفعة التي فرضتها الظروف الاقتصادية، ورغم جهود وزارة السياحة لتأمين خيارات سياحية بأسعار معقولة، تبقى المبادرات الفردية والبحث الجيد عن العروض المناسبة السبل الرئيسة لتخفيف العبء المالي وتحقيق عطلة ممتعة من دون الوقوع في فخ التكاليف الباهظة.