ألفرد بخاش.. و فرحة الأضواء الساحرة

الملحق الثقافي- نداء الدروبي:
تتراءى لنا أعمال الفنانين المؤسِّسين بين الفينة والأخرى فنتذكَّر دائماً ما تركوا لنا من إرثٍ فنيٍّ يُضاهي الفنانين العالميين أحياناً. إنَّهم حقاً دعامة من دعائم المجتمع السوري الفني.. وهنا نفتح صندوق ذاكرتنا لنسترجع أعمال الفنان المؤسِّس (ألفرد بخاش)، المولود عام (١٩٢١) في مدينة حلب لأب فنان اسمه نديم كان مهندساً وفناناً تشكيلياً، كذلك كان جدُّه رزق الله بخاش أيضاً فناناً تشكيلياً.
أمَّا ألفرد فقد درس المرحلة الابتدائية في مدرسة (مار يوسف) للراهبات، وتابع المرحلة الثانوية في (معهد الإخوة).
ظهرت موهبته وهو في الخامسة من عمره بتشجيع من والده الذي علَّمه أصول وتقنيات فنون الرسم والتصوير والنحت.
وبالمقابل كان ألفرد شديد المطالعة والقراءة من مكتبة والده الغنيَّة بالكتب العربية والأجنبية، ما مدَّ ذاكرته بثقافة واسعة مكَّنته من بناء نفسه كفنان بناءً صحيحاً.
قال الدكتور عفيف بهنسي: (اتبع في رسمه ونحته أسلوباً غنائياً جميلاً، وكان يُحرِّك موضوعاته حركات رائعة ورشيقة كأنها على موعد مع فرحة الأضواء التي تشعُّ على جميع الألوان في اللوحة).
سُمِّي الفنان ألفرد بفنان المرأة.. وقد شهدت مدينة حلب نهاية القرن السابع عشر وخلال القرن التاسع عشر قدوم عدد من الفنانين المستشرقين إليها، وكانوا أيضاً نافذةً أطلَّ من خلالهم المصورون الحلبيون أمثال الرسامين: (نديم بخاش، منيب النقشبندي).
وحين تأسَّس المكتب السلطاني (ثانوية المأمون) بحلب في مطلع القرن العشرين عُيِّنَ الفنان منيب النقشبندي أوَّل مُدرِّس للفنون فيه، وكان من تلاميذه: (غالب سالم، ووهبي الحريري) الذي أسَّس أوَّل محترف للفنون في حلب، وفي الوقت ذاته تألَّق اسم الفنان ألفرد بخاش حين نظَّم عام (١٩٣٨) أوَّل معرض له بالاشتراك مع والده في مرسمهما (خلف مقهى الكلداني) في منطقة التِّلل بحلب، ثم شارك عام (١٩٤٨) في معرض أصدقاء الفنون كأوَّل معرض جماعي للفن التشكيلي في المدينة مع مجموعة من الفنانات والفنانين الهواة في دار الحمصي بمنطقة العزيزية، وقدَّم المعرض الشاعر عمر أبو ريشة.. عندها عرض الفنان ألفرد بخاش نحو اثنين وتسعين عملاً فنياً بالألوان الزيتية والمائية والأقلام الملوَّنة، وثمانية أعمال نحتيَّة.
تنوَّعت موضوعاته بين رسم الأشخاص المعاصرة له وسيدات المجتمع الأرستقراطي وبين تصوير الطبيعة المحلية في حلب، بالإضافة إلى تصوير الزهور وغيرها من الموضوعات، التي يغلب عليها الطابع الرومانسي والتزييني، ومن ثم تتالت معارضه الفردية ومشاركاته في المعارض الجماعية بحلب واللاذقية ودمشق وبيروت وفرنسا وسويسرا وأميركا، كما شارك في المعرض السنوي منذ عام (١٩٥٠- وحتى ١٩٥٦)، ونال الدرجة الثالثة في التصوير مناصفةً مع الفنان فاتح المدرِّس، والدرجة الثانية في النحت سنة ١٩٥١، وفي سنة ١٩٥٢ نال الدرجة الأولى في النحت، والدرجة الثانية عام ١٩٥٣.
مارس كافة الأجناس الفنية، إضافة للرسم على الكريستال والرسوم التوضيحية، كما عمل مشرفاً فنياً في المكتب الصحفي الأميركي للشرق الأوسط في بيروت، وهذا ما دفعه ليترك مرسمه في مدينة حلب ويشدّ رحاله باتجاه بيروت بشكل دائم، حيث افتتح هناك صالة عرض باسمه.. وخلال حرب عام ١٩٨٢ أصيب مرسمه في بيروت عدة مرات وأتى الدمار على معظم محتوياته، ثم تدهورت صحته وتوفي عام ١٩٩٤م.
كتب الدكتور فاروق سعد في لبنان: (كان ألفرد بخاش مالئ دنيا الفن وشاغل جمهوره في سورية ولبنان طيلة خمسة عقود امتدت من أوائل الأربعينات وحتى منتصف السبعينات.. وكانت أعماله في الرسم والتصوير والنحت والديكور وتصميم الكتب محل تقدير نُقَّاد الفن.. لُقِّبَ بفنان المرأة لما أبدعت فرشاته من لوحات تُعبِّر عن جمالها روحاً وجسداً).
وفي ذكرى وفاته نظَّم الفنان اللبناني عارف منيمنة عام ٢٠١٤ معرضاً في بيروت تخليداً لذكرى أستاذه الراحل ألفرد بخاش تضمَّن لوحات زيتية مقتبسة من أعمال أستاذه وكتابات مؤرَّخة عن سيرة حياته حيث رأى الفنان منيمنة أن ألفرد بخاش كان رائداً من رواد الفن التشكيلي في لبنان في أواخر الخمسينات وبداية الستينات.
ومن المعروف أن أعمال ألفرد تتصف بالقوة والرشاقة والمعلومة، وخاصة تماثيله النصفيَّة والكاملة عن المرأة.
قال الناقد طارق الشريف عن الفنان عام ١٩٩٦: (لجأ الفنان ألفرد بخاش إلى التعبير عن الأعماق الداخلية عبر الحركة أيضاً، ونرى ذلك في تمثاله الأمومة، وعمل على التحوير في التماثيل، والمبالغة عن طريق إطالة متعمّدة من أجل تصوير حنوِّ الأم على وليدها، أو من أجل تفضيل الليونة على الجمود، والرشاقة التي تقدِّم الإيقاعات الموسيقية التي يُعبِّر عنها الخط بتداخله وانسيابه).
نال ألفرد ثلاث جوائز في المعرض السنوي في كلِّ مرة شارك فيها.
من أعماله: (ذات الشعر الوردي، ذات الحزام الأحمر، عين التِّلَل، غلاف الكتاب، زهور).
أخذت لوحاته تبتعد عن الواقع وتصويره المباشر منذ عام 1963؛ لتقترب من التجريدي، فقد أصبح الموضوع لديه شيئاً هامشياً بالمقارنة مع إبراز الناحية الجمالية من خلال العلاقات اللونية الجديدة المتألقة على نحو يعكس الانفعالات المباشرة.
ولعلّ لوحاته (سوق في حلب، النوافذ الزرقاء، منظر من بلودان) تُمثِّل محاولات مختلفة للانطلاق من الواقعية، ومحاولة لفهم الواقع على أساس الضربات الواثقة من نفسها، والحاملة حساسية صاحبها، فاللون فيها يعتبر أساس الواقع.
ويجب ألا ننسى أن والده (نديم بخاش) أحد الأسماء المعروفة في رسم الصور الشخصية، وله أعمال في بيوت الأسر الحلبية الغنية.
من هنا شملت اهتمامات ألفرد بخاش فنون الرسم والتصوير والنحت والإعلان وكان موضوع المرأة المفضّل لديه، فقد برع في تصويرها بأسلوب شاعري جميل يميل إلى الرومانسية، وأحياناً يتبع الإبداعية ومن أقوى لوحاته «ابتسامة» كونها تعطي للمرأة وضعاً خاصاً غير مألوف، إذ جلست بأسلوب رقيق مغطَّى بثوب أبيض، بينما تناثر شعرها الأشقر الأشعث بتموجات كثيفة حول رأسها كأنه هالة.. كذلك أبدع الفنان في رسم عينيها، لأنهما تنفذان بنظرات عميقة إلى ما وراء الأسرار، في حين تميَّز وجهها بابتسامة لطيفة وساحرة أراد الرسام من خلالها أن يقترب من لوحة الجوكندة للفنان ليوناردو دافنشي بابتسامتها المشهورة.
ولا تقلّ براعة الفنان ألفرد في فن النحت عن براعته في فن التصوير، فقد أنتج مجموعة من الصور النحتية لعدد من الشخصيات، مثل (أبو العلاء المعري، قسطاكي حمصي، سعد الله الجابري)، وعكف على إبراز الملامح الجمالية والتعبيرية في الجسد الأنثوي في تمثال الأمومة، وكان أحد الوجوه المتألقة في الحركة التشكيلية السورية الساعية دائماً نحو التجديد.
                          

العدد 1211 – 29 – 10 -2024 

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها