الثورة – ميساء العجي:
أحياناً كثيرة نجد أناساً يعيشون روتين الحياة نفسه، من دون أن يغيروا أو يبدلوا فيه أي شيء، “مقتنعين ومرتاحين” كما يقال.
وفي هذا السياق أوضحت الدكتورة فاتن إحسان نظام- دكتوراة في العلاقات العامة وتنمية مهارات حياتية في محاضرة لها بعنوان: “الخروج من منطقة الراحة” بمركز ثقافي العدوي، أن حياة الإنسان تبدو آمنة ومريحة في دفء “منطقة الراحة”، وفي أحيان كثيرة يصعب علينا الاعتراف بأن إيجاد الدافع للمغادرة أمر صعب، لكن كلما بقيناً عالقين في “منطقة الراحة” كلما أهدرنا مزيداً من الفرص للانغماس الكامل في التجربة الإنسانية، مبينة أن الخبراء ينصحون بتعلّم كيفية الخروج من منطقة “الراحة الخاصة”، وهذا الأمر يتطلب قوة إرادة وتغييراً في العقلية.
– تحديات “منطقة الراحة”..
تقول د. نظام: إن اختصاصي الطب النفسي الدكتور أسامة كنعان يعرف “منطقة الراحة” بأنها “منطقة وهمية، تستخدم مجازاً للدلالة على حالة نفسية يعيشها الفرد، بحيث يشعر بالسعادة وبراحة كبيرة وطمأنينة غامرة ورضا عن نفسه، وحالته، ومعلوماته، ومهاراته وحتى عن الأشخاص الذين يتعامل معهم والمكان الذي يوجد فيه، وهي جميعها ثابتة، ولا يوجد فيها أي جديد أو متغير”.
وتضيف د نظام أنه من شأن الركون إلى منطقة الراحة سلب التحدي من حياة الفرد، “وكما نعلم جميعاً، فإن التحديات التي نواجهها في حياتنا هي التي تصقل لدينا المهارات المعرفية والحياتية، وبالتالي تحقق لنا النجاح والسعادة، أي أن المعادلة باتت بسيطة وواضحة: تحديات أقل، مهارات أقل. وفي المقابل، تحديات أكثر، مهارات أكثر وأقوى.
وتقول: بما أن التطوّر من سمات الإنسان الناجح فمن المفترض ألا يقبل (الشخص) بحالة الركود هذه التي تُعطي انطباعاً خدّاعاً بالرضا، وإنما سيغدو في حياته باحثاً عن تحديات جديدة، وتتحول حياته إلى سباق مع الزمن كي يُثري معلوماته ويزيد من مهارته”، فمنطقة الراحة هي منطقة وهمية تستخدم مجازا للدلالة على حالة نفسية يعيشها الفرد.
– لماذا تصعب مغادرتها..
في هذا الجانب تبين الدكتورة نظام أنه قد تكون ناتجة عن مجموعة من العوامل النفسية والعقلية التي تؤثر على الإنسان، ومن هذه الأسباب التي قد تحول دون مغادرة البعض مناطق الراحة:
الأمان والثبات، وتورث مناطق الراحة شعوراً بالأمان والاستقرار، وقد يسبب الخروج منها شعوراً بعدم اليقين وعدم الأمان.
التقليد والرتابة، والذي غالباً ما يكون البشر عرضة للروتين والرتابة، ومغادرة منطقة الراحة قد تعني مواجهة تحديات وتجارب جديدة.
التحفظ على الراحة النفسية، إذ توفر مناطق الراحة فرصة للاسترخاء واستعادة الطاقة، والخروج منها قد يبدو مصدراً للتوتر والإرهاق.
الخوف من المجهول، فربما يشعر الإنسان بالقلق حيال المستقبل وما قد يكون في انتظاره خارج منطقة الراحة، وهذا الخوف يمكن أن يكون عامل صعوبة.
الرغبة في تجنب التحديات، يفضل البعض البقاء في مناطق الراحة لتجنب التحديات والضغوط الناتجة عن مواجهة العالم الخارجي.
التمسك بالرتبة والهيكل، مناطق الراحة غالباً ما تكون ذات هيكل وتنظيم، والبعض قد يجد الأمان والسهولة في التمسك بهذا الهيكل.اكتشاف بيئات جديدة عن طريق السفر من أمتع الطرق للخروج من منطقة الراحة
– كيف تخرج من المنطقة؟
تبين د. نظام أنه توجد عدة وسائل للخروج من منطقة الراحة، ومنها: اختيار هدف واحد والتركيز عليه من دون الإفراط في التفكير الذي يسبب المماطلة في تنفيذه، إضافة لتغيير الروتين اليومي يسهم بشكل كبير في الخروج من هذا المأزق الذي قد يلازم الإنسان فترات طويلة، مع مواجهة الخوف والمضي تدريجياً نحو التغلب عليه بتغيير طرق التفكير في مسببات الخوف.
ضرورة اكتشاف بيئات جديدة عن طريق السفر الذي يعد من أمتع الطرق للخروج من منطقة الراحة، فالعيش في منطقة الراحة يبعدك عن تحدي نفسك وخلق نسخ إبداعية من ذاتك
حبيس منطقة الراحة
ولفتت المحاضرة على أن مدربة المهارات الحياتية جين سلايطة توضح أن العيش في منطقة الراحة “يبعدك عن تحدي نفسك وخلق نسخ إبداعية من ذاتك، وبالتالي يتقوقع الإنسان على نفسه وتصبح حياته مملة متكررة يسودها الكسل”.
كما أن “هناك مخاوف عديدة للخروج من منطقة الراحة، مثل الخوف من المجازفة كتغيير العمل، وما يشعر به الشخص من عدم قدرته على التعلم، وشعوره أنه لا يمتلك مهارات كافية تؤهله للقيام بالعمل الجديد، هذه كلها أفكار مخيفة يستطيع الإنسان التخلي عنها”.
وتضيف “أنها عبارة عن فكرة كوّنها الشخص عن نفسه وبين صورة ذاتية، أنه لا يستطيع التغيير. وتضيف أن هذه الصورة وهمية وغير حقيقية، لكنها تتحكم في تصرفات الإنسان وأفكاره ومشاعره وخياراته”.
وترى سلايطة أن معظم المخاوف فكرية من داخل الإنسان، “وإذا لم يعرفها يدرك أنه يستطيع تغييرها ويبني الصورة التي يريدها، تستمر الصورة القديمة، ويظل الشخص في منطقة الراحة من دون إنجازات، ويستصعب الخروج منها”.
وتختم بالتشديد على ضرورة “اهتمام الإنسان بتطوير نفسه والتغلب على مخاوفه. وتضيف هذه مسألة قرار وإرادة تعود للشخص نفسه إذا قرر التغير والتعلم والتطور، إذ توجد دورات عديدة لتطوير الذات وبناء صورة ذاتية مشرقة شجاعة قوية قيادية، وهناك مدربون مؤهلون يستطيعون تقديم المساعدة اللازمة”.
وتقول د. نظام: إن الثقة بالنفس ترتبط بعلاقة طردية مع مناطق الراحة، فكلما صغرت مناطق الراحة، قلت الثقة بالنفس
ماذا يحدث عند مغادرة منطقة الراحة؟
أوضحت الدكتورة نظام أن أولها زيادة المرونة: كلما خرجت من “فقاعة الراحة”، زاد مستوى المرونة لديك، فاتخاذ قرارات قد تبدو غير مريحة يزيد من قوتك ويساعدك في التغلب على العقبات التي تواجهها في حياتك الشخصية والمهنية.
ثانياً، تحدي الذات: وهنا تبين نظام بقولها لن تدرك حقيقة قدراتك إذا أصررت على التقوقع في منطقة الراحة. لكن بمجرد التغلب على خوفك، ستبدأ في اكتشاف إمكاناتك الحقيقة، ابدأ بتحدي نفسك، وابحث عن فرص للتعلم!
ثالثاً، لابد من تعزيز الثقة بالنفس: وترتبط الثقة بالنفس بعلاقة طردية مع مناطق الراحة، فكلما صغرت مناطق الراحة، قلت ثقتك بنفسك وقدراتك. وكلما واجهت مخاوفك وتحديتها أكثر، زادت ثقتك بنفسك.