الثورة – يمن سليمان عباس:
هل فكرت يوماً ما أن تترك العمل لأنك لم تعد تستطيع تحمل ما تتعرض له من ضغوطات ومضايقات.. الآن يسميها العلم الحديث التنمر.
في كتابه المهم (التنمر) يبحث الدكتور عيسى الشماس هذه الظاهرة.
– بدايات المصطلح..
يعد هذا المصطلح حديثاً.. وتعد الصحفية البريطانية أندريا ادمز، أول من استخدام مصطلح التنمر الحقيقي في كتابها التنمر في مواقع العمل كيف نواجهه ونتغلب عليه والصادر عام ١٩٩٢.
التنمر في مكان العمل، هو التصرف العدواني تجاه أحد الموظفين، والذي يؤدي إلى زيادة الغياب عن العمل بسبب عدم التأقلم مع الآخرين، ووجود المشكلات النفسية، ويعود ذلك في معظم الأحيان، إلى ضعف العلاقات الإنسانية في المؤسسة، وما ينتج عنه من الفساد الإداري، وإساءة استخدام السلطة لإذلال الموظف وقطع الطريق على مجالات نجاحه وترقيته، وقد يتعرض الموظف للتمييز على أسس شخصية غير مهنية لا تعلق بالعمل والكفاءة، وحرمانه من أبسط حقوقه الشخصية.
وفيما يتعلق بالقرارات التي تخص مجال عمله، يقتضي من إدارة المؤسسات المختلفة أن تكون على مستوى المسؤولية الإدارية والأخلاقية، وأن تتخذ سياسة واضحة، وإجراءات حاسمة لتحسين التواصل بين الموظفين، وبناء علاقات إنسانية فيما بينها تقوم على المودة والاحترام المتبادل، والتعاون البنَّاء للحفاظ على تماسك المؤسسة وجودة خدماتها.
أما فيما يتعلق بالتأثير السلبي على المؤسسات، فقد أظهرت الدراسات أن التنمر مرتبط بالتغيب عن العمل بأنواعه المختلفة وبشكل متكرر، وقد تمتد هذه الآثار السلبية على مستوى فرق العمل وزيادة التسرب الوظيفي بالاستقالة من العمل ما يؤثر بشكل مباشر على سمعة المؤسسة التي لن تكون بيئة جاذبة للكفاءات.
– أضرار صحية..
وأظهرت دراسة نشرتها مجلة “القلب الأوروبية” (تشرين أول، ۲۰۱۸)، حول خطر التسلّط الإداري والتنمر “التعسف الوظيفي” على صحة الموظفين، ويتعرض جهاز الدوران الدموي لديهم، لضغوطات نفسية شديدة، من خلال سلوكات التنمر وأن احتمال خطر إصابة الموظفين بأمراض القلب بنسبة عالية، وجلطات المخ بنسبة (۳۹) مقارنة بغيرهم من الموظفين الذين تعرضون للتنمر، ومعظم هذه التأثيرات تأتي من سلوك المديرين الذين يتعامل الموظفون معهم يومياً.
وأشار تقرير نشرته جمعية النفس الأمريكية إلى أن (٧٥%) من العمال يقرون أن مديريهم هم السبب الأكبر في شعورهم بالتوتر العالي، ما دفع عدداً منهم على تقديم استقالتهم من العمل، كما تشير التقارير إلى معاناة الذين يعانون من «التنمر» من الصداع المزمن، واضطرابات النوم، في الجهاز الهضمي.
في الواقع نجد أن المشكلات الوظيفية هي السبب الرئيسي للضغط لدى الموظفين، الأمر الذي يؤدي إلى غياب ضحايا التنمر من العمل، وتظهر لديهم اضطرابات النوم، والقلق، والتكيف، والصدمة، حيث تؤدي تلك الاضطرابات إلى انخفاض الحماسة الإنتاجية، ويتجه الأشخاص الذين يعملون في بيئة متعبة لترك المؤسسة أو التغيب عن العمل، لعدم اقتناعهم بسياسات تلك بالتنمر الوظيفي كالنزاعات والإهانات والمنافسة غير الشريفة.
والنتيجة: إن شيوع التنمر في المؤسسة قد يؤدي إلى إضعاف روح جماعة العاملة ويفتت وحدتها، ويشتت جهودها، ويجعل من مكان العمل بيئة اجتماعية وتنظيمية منفرة للعاملين، يصبح معها مجرد الحضور إلى العمل عبئاً كبيراً، فلا تشجعهم على الأداء الجيد والابتكار والتطور والتطوير، فتصاب المؤسسة بحالة من الركود والخوف وعدم الثقة بين الأفراد، وتضعف قدرتها على تحسين أدائها وتطوير مخرجاتها، كماً ونوعاً.
– أمام المؤسسات الأخرى..
أما عن علاج التنمر الوظيفي، فيرى التقرير أنه على الرغم من أن التنمر الوظيفي هو ظاهرة قابلة للعلاج، إلا أنها ليست دائماً قابلة للمنع، ولكن يستطيع النظام الإداري في المؤسسات أن يسيطر عليها، وأن تحجمها بشكل ملحوظ، ويحافظ على بيئة عمل صالحة يتم فيها توظيف الوقت والجهد والموارد في تحقيق عوائد إيجابية كبيرة وذات نوعية جيدة، تحفظ للمؤسسة مكانتها وسمعتها، بما يمكنها من الإسهام في الإنتاج والتطور.
