الثورة – رفاه الدروبي:
وقَّع الدكتور أيمن أبو الشعر الكتاب المترجم للكاتب العالمي”جنكيز أيتماتوف”، بعنوان: انطباعات وتعليق وحوار، وترجمة قصتيه “المتنافسون والتفاحة الحمراء” خلال ندوة انعقدت في المركز الثقافي الروسي، أدارها الدكتور ثائر زين الدين حول الكتاب المحتوي ١٥٨ صفحة من القطع المتوسط، صادر عن مطبوعات اتحاد الكتاب العرب، كما قُدِّم خلال الندوة فيلم عن الكاتب أيمن أبو الشعر أنتجته مؤسسة الكتيبة الإعلامية التونسية الشهيرة، وتصدر مجلة بالعربية، الإنجليزية، الفرنسية، وأعدت الفيلم الكاتبة الصحفية رحاب قوات باعتبار أيمن أبو الشعر شاعراً سورياً معاصراً ولد في دمشق عام 1946، ثم تلقَّى تعليمه فيها، ونال الدكتوراة في الآداب من معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية العليا، كما عمل في مجال الترجمة الأدبية في موسكو، وفي المجال الإعلامي شملت الصحافة المطبوعة والمرئية والمسموعة قرابة أربعة عقود.
مؤلف متميز
استهلَّ الندوة الدكتور ثائر زين الدين فقال: اعتاد الكاتب أن يجمع الأدباء سنوياً على مائدة وافرة بكلِّ ما يطيب، لكن العام الحالي، جمعهم حول مؤلف متميز تناول عمل روائي باهر ليس في الأدب السوفييتي والروسي فحسب بل في الأدب العالمي، وأصبح بين أيدي القرَّاء، كون الكاتب يتحلى بذائقة شعرية أدبية، ترجمه وفق رؤية نقدية عن مجمل أعمال الكاتب القرغيزي جنكيز أيتماتوف، فأعماله قرأناها فتياناً وشباباً، ومن يتذكَّر قصة “المعلم الأول” يعلم كم تبعث الروح في كثير من اليساريين العرب، إضافة إلى قصة “وداعاً ياغوليساري”، وبعض الأعمال الأخرى المهمة، منوِّهاً إلى ترجمته رواية “جميلة”، وسبقه خيري الضامن إلى ذلك، كما أعاد ترجمتها بناءً على طلب دار النشر إضافة إلى أعمال أخرى ترجمها، بيد أنَّ كتابه الأخير الصادر جمع الكتَّاب الروس جميعهم في صفحتين أو ثلاث صفحات، مُبيِّناً أنَّ أبا الشعر ترجم أعمال عدة منها: “مكسيم غوركي، إيفان بونين، وغيرها”.
لغته عالية
وأشار رئيس اتحاد الكتَّاب العرب في سورية الدكتور محمد الحوراني إلى أنَّ الدكتور أبو الشعر ليس كغيره من المترجمين عن اللغة الروسية؛ لأنَّه ليس من أولئك الأشخاص مَنْ خطَّ كلمةً من هنا أو هناك ليتعلموا الكلمة التجارية ويشتغلوا عليها من أجل أن يكون لها رصيد من الكتب في الأسواق، ولا يمكن أن يترجم كتاباً ويضيف عملاً لنفسه، إلا إذا كان يدرك تماماً أنَّ العمل يُشكِّل إضافة حقيقية للمكتبة العربية وغيرها.
إنَّها أمانة كبيرة لا بدَّ أن يتحلى المثقف الحقيقي أو العضويّ بها، إلا أنَّه يغوص عميقاً في احتياجات أمته والمشهد الثقافي والأدبي، وما يماثل المشهد من أجناس أدبية يمكن أن تكون في المجتمع الحالي أو ذاك، فكان واضحاً من خلال ترجمته، ولاسيَّما في عمله الأخير، حيث يتحدَّث في جوانب مهمة عن المؤلف أو صاحب الكتاب وتاريخه وتجربته وإخلاصه لأرضه وانتمائه لها، فيظهر التقاطع بينه وبين من ترجم لهم سواء أكان جنكيز أيتماتوف أم رسول حمزاتوف، والشخصيتان لهما حضور كبير ليس على المستوى الروسي والسوفييتي فحسب وإنَّما على المستوى العالمي، لأنَّه يؤكِّد عمق انتمائه للأرض، فيترجم بلغة وأدب إنساني عاليين، حاملاً شغفاً حقيقياً يمكن وصفه بأديب وشاعر حقيقي بدا من خلال لغته.
تنوع الأساليب
كما خطَّ مقدِّمة الكتاب الدكتور راتب سكر، لافتاً إلى أنَّ موضوعات كتاب أبو الشعر تنوَّعت مع الكاتب العالمي جنكيز أيتماتوف، والأساليب الأدبية والفنية في كتابتها، بين “النقد الانطباعي، أدب السيرة والمذكرات، الحوار، المقابلة، الترجمة” تنوّعاً فرض حضوراً ملحوظاً لإفادته من مناهج عدة، وخاصةً التوصيفي، التحليلي، التركيبي، النفسي، الاجتماعي، فكانت منفتحة على علم “الأدب المقارن”، فرضتها صلات موضوعات الكتاب بمنحز أدبي ثري متنوع، ترجم في زمن قياسي إلى عدد كبير من لغات المعمورة، للأديب ابن جمهورية قرغيزستان، عندما لم يكن عدد سكانها يتجاوز خمسة ملايين نسمة.
إنَّه ابن هوية لغوية وقومية من خارج الهويات ذائعة الانتشار عالمياً، كما فرضتها مواقفه من القضايا الإنسانية العامة، وأثارت اهتمام أعلام الآداب والثقافات في البلدان المختلفة، توافقاً وانسجاماً أو تبايناً مختلفاً، كذلك ترجم الكاتب قصتين من قصص جنكيز أيتماتوف، فهما قصتان طويلتان ثريتان بدلالات على ارتباطهما الجوهري بالبيئة القروية القرقيزية الفلاحية البسيطة شأنها في ذلك شأن معظم أعماله.
الكاتب
بدوره الدكتور أيمن أبو الشعر ألقى قصائد عديدة ضمَّنها أحداثاً من الأجواء المريرة الدائرة في الفترة الحالية داخل غزة وما تحمله من آهات، مشيراً إلى أنَّ مهمة الشعراء تغيير الواقع، وأن كلَّ ما نعيشه اليوم من قهرٍ عشعش في أحلامنا وابتساماتنا ولقاءاتنا.. في عاداتنا، وبدا على شفاه حبيباتنا لا بدَّ أن يزول فأنشد:
أنا رجلٌ أنا إعصارٌ.. زوبعةٌ في الرغوة
ولكنّي فقدْتُ عالم الإحساسِ بالنشوة
لأنَّ القهرَ يومي
فنجانٌ من القهوة
وفي قصيدة جديدة ألقاها بمناسبة الهجمة الشرسة للعدو الاستيطاني نقتطف منها:
هذا أوانُ الجوعِ شدُّو الأحزمة
القهرُ يعلن من إقلاعِ رحلتهِ إلى المجهول
عاصمة الشموسِ المظلمة
قبطانُها الناتو وركابُها قطيع
راع يشدُّ بالعصا أنَّى يشاء.. بهائمة
ركب قطيع
وآخر قصيدة “موت بن لوبي” كتبها منذ أيام:
أحداقكم متسائلة
الجوعُ صهر بيتكم والقهرُ نبض العائلة
أحداقكم متسائلة:
من أينَ مرَّ البرقُ ليلَ البارحة
المهرُ كانَتْ جامحة والومضُ في السكين
الجرحُ في حلوان والنسلُ في حطين