الملحق الثقافي- عبد الحميد غانم:
ما من شك أن من عوامل قوة البحث العلمي تميزه باللغة العربية التي كتب به وسيره دون أخطاء لغوية ونحوية وإملائية.. ويقوى البحث بقوة لغته وصحتها.
لم نسمع أن بحثًا أو أطروحة دكتوراه، رفضت بسبب ضعفعها اللغوي أو كثرة أخطائها.
يثير موضوع خصائص اللغة العربية في أوساط الباحثين الكثير من اللغط والصخب، والكثير من الجدل والاختلاف، وفي سياق السعي إلى تأطير هذا الموضوع تأطيرًا كفيلاً بضبط مفاهيمه، وتأسيس قضاياه على خلفية علمية راسخة ارتأينا أن ننطلق في معالجته من همّ التساؤل عن معطيات القراءة العلمية الموضوعية لما يُنسب إلى العربية من خصائص ومزايا.
وللإجابة عن هذا التساؤل يبدو من الضرورة أن ننطلق – في تعرضنا لخصائص اللغة العربية – من مفاهيم اللسانيات الحديثة بوصفها خلفية منهجية كفيلة بتقديم جوابٍ مؤسَّس على معطيات موضوعية، وتحرّيات دقيقة، وأدلة علمية لا تدع مجالاً للاتهام بالتعصب أو التوهم أو الصدور عن الانطباع.
الدكتورة منى داغستاني أستاذة اللغة العربية بجامعة دمشق – قسم اللغة العربية كلية الآداب، أشارت إلى أن الأمة التي لا تنتج العلم تضعف وتنكمش وتنعزل وتضعف لغتها.
وقالت: الحديث عن أهمية اللغه العربية يبدأ من مؤسسات البحث العلمي، وفي مقدمها الجامعات خاصة البحث العلمي الجاد والرصين والعامل الأساس في الهوية ولهذه المؤسسات أثرها الكبير في رفع لواء اللغة والعمل على توطينها، وجعلها لغة العلم والبحث والمعرفة ولا يكون ذلك إلا برسم استراتيجية واضحة المعالم والسير بخطى سليمة نحو تحقيق الهدف السامي ألا وهو الحفاظ على أهم خاصية من خصائصها وهي اللغة، ووعاء فكرها، وأداة نموها وإطراء شأوها رفعة وسموًا بين الأمم.
واللغة العربية، بحسب الدكتورة الداغستاني واحدة من اللغات العالمية التي أسهمت في نقل العلوم الإنسانية، في الوسيلة الأساسية المقال المعرفة وتوثيقها في العالم العربي هذه اللغة المعروفة بعراقتها عبر التاريخ، وتعرف بأنها لغة حضارية، فكانت مرآة الأدب، وتتمتع بفكر ثاقب متفاعل، وهذا يعني في المنطق اللغوي أن تشتمل على ألفاظ كثيرة شاملة لمدلولات كثيرة تعبر عن حاجات مختلفة للناس في مختلف العصور القديمة والحديثة.
تستعمل اللغة العربية بوصفها لغة رسمية في الدول العربية، وهي واحدة من اللغات الرسمية في الأمم المتحدة، وتعد العربية من بين أكثر اللغات تحدثاً في العالم، حيث يتحدث بها أكثر من (٤٢٠) مليون شخص.
وتتلخص أهمية اللغة العربية وميزاتها – بحسب الدكتورة الداغستاني – بالنقاط الآتية:
– إنها اللغة التي اختارها الله سبحانه وتعالى في التوجيه، والبيان الكامل، قال تعالى (بلسان عربي – الشعراء . ١٩٥).
– إن ارتباط اللغة العربية بالقرآن المحفوظ جعلها محفوظة، في بقائها وانتشارها وجعلها مصدرًا عن الأمة العربية.
– اللغة العربية قائمة على جذور ما متناسقة لا نجدها في اللغات الأخرى قاطبة، فالفعل الماضي ذهب، مضارعه يذهب، وأمره اذهب من جذر واحد.
– اللغة العربية من اللغات الحية على وجه الأرض.
حملت، العلم والمعرفة للعالم، وكانت لغة الفكر وثقافة المجتمع وتعبر عن طبيعة الأرض والجغرافية والطبيعة، والأمر يتعلق أيضاً بطرائق التفكير في المجتمعات الحضارية وعلاقتها باللغة، والتي ستكون باستخدام أنواع معينة من الرموز التي تبدو في لغة الناس ومعلوماتهم اليومية وأيضًا في علومهم وبالتالي كان للغة العربية دور مهم ورئيس في تقدم العلوم ونقلها عبر العصور، واحتفظت بحالة مرموقة بوصفها مركز العلم والفكر.
البحث العلمي
يعرف البحث العلمي بأنه المحاولة الناقدة للوصول إلى حل مشكلة إنسانية أو علمية معينة، فهو خطة الطريق يتضمن مجموعة من الخطوات المنتظمة والمدروسة تبنى على جمع معلومات حول مشكلة معينة، خضعت للفحص والتدقيق وذلك لحل المشكلة، ومن تعريفه أيضًا أنه فكر منظم يقوم به الشخص الباحث للوصول إلى الحقائق لحل قضية موضوع البحث لذلك يتبع طريقة علمية يسعى منهج البحث ليصل إلى حلول المشكلة.
ويعد البحث العلمي شرطاً مبيناً لتقدم المجتمع، ويشتمل على مناحي الحياة كافة بما فيها العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية.
واللغة العربية لغة علمية باستطاعتها مواكبة مستجدات التكنولوجيا والخطاب العلمي الحديث هذه المواكبة التي يجب على الهوية أن تراعي ما تحتاجه عملية الترجمة من اللغة المترجم منها إلى اللغة التي ترجم إليها.
والعمل لتنظيم هذه المفردات المترجمة إلى إطار اللغة الهدف منها إدخال مصطلحات في منظومة اللغة العربية بموجب التزويد بخصائص هذه المنظومة، لأن الأخذ من اللغة الأجنبية لا يعني الفوضى وعدم التنظيم، بل يتم ذلك من خلال عملية اصطلاح كتنظيم مدروس بالبناء اللغوي المؤهل بفضل معرفته الجميلة للضوابط والقواعد التي تحكم العملية.
ويعتمد الباحث العلمي عند إعداد بحث علمي على مصادر عدة من المعلومات الكتيرة، وأهم هذه المصادر أبحاث سابقة منشورة في مجلات علمية محكمة في المجال الذي ينوي الباحث التطرق له وكل مواقع الجهات العلمية المعتمدة التي تقدم مادة علمية ضمن نطاق بحث الباحث.
وعلى الرغم من الزيادة النسبية للمحتوى العربي على الإنترنيت، إلا أن الاستفادة منه ما زالت ضعيفة بسبب عدم كفاءة البحث الخاصة باللغة العربية والتي تأخذ خصائص اللغة العربية كافة.
إن الجهود التي تبذل من قبل مجامع اللغة العربية والجامعات والمنظمة العربية للهينة والثقافة والفنون يحب ألا تكون منفصلة عن بعضها البعض، ولا بد من إيجاد قنوات تواصل فيما بينها، وإن عملية التعريب يحب أن تأخذ بعين الاعتبار المعنى الفكري الذي تحملة اللفظة المغربة، إضافة إلى موافقتها قواعد النحو والصرف العربي، وكذلك تماشيها مع الذوق العربي العام.
وأشارت الدكتورة الداغستاني إلى أن من أبرز أسس تعزيز اللغة العربية وتمكينها في البحث العلمي، ما يلي:
الأساس الأول: اللغة أداة تواصلية
أي أن تصبح اللغة العربية لسان أقوامها في الحياة العامة وفي التعليم وأداة مجتمعية لدى مؤسسات وإدارات ومعاملات تنظيراً وتعليمًا وإعلاماً وبحثاً وإبداعاً واستخداماً وتوثيقاً ولن تكون كذلك إلا من خلال جهد جماعي منظم يقضي إلى تركيزها لدى الأجيال انطلاقًا من البيوت إلى مؤسسات التربية والتعليم المتمكن منها وتوظيفها في مجالات الإنتاج الإعلامي وممارستها في الحياة الثقافية والإبداعية ذلك أن حركة التفكير لدى الإنسان ترتبط ارتباطًا شديداً باللغة الوظيفية تفاعلاً وتوظيفاً وأن ترمز مفرداتها ومصطلحاتها علي فكر واحد.
والمصطلح العلمي يتضمن الفكرة المنعكسة في الذهن أي إنها عبارة عن صورة ذهنية تتحول إلى فعل إنجازي عبر الوسيط المصطلحي التفاعلي، هذه التمثلات والصور الذهنية في داخل الباحث فتولد لديه أفكاراً تتحول إلى أفعال لتنعكس في مختلف المجالات التجارية في الحياة، وهكذا فاللغة لا تقوم بالوصف فحسب، بل توضح القدرة التفكيرية وملكة التعبير، ومن طبيعة الأدوات والملكات والقدرات أن تنطق وتدعي بمعنى الإعمال وتفادي الإعماء.
الأساس الثاني: المبادرة إلى إنجاز مشروع عربي لغوي علمي للغة العربية في مجال البحث العلمي.
ويكون ذلك عبر وضع خطة استراتيجية للربط بين جامعات الوطن العربي والباحثين العرب وتقوية الروابط العلمية من خلال تحفيز البحث العلمي باللغة العربية وإنشاء مخبر لغوي يجمع جهود العلماء في الوطن العربي وتفعيل دور مكتب تنسيق التعريب أو تطويره ليصبح مؤسسة علمية عربية مشتركة تركز على إنتاج البحث العلمي باللغة العربية، وتضع استراتيجية علمية تروج احتضان العلماء والأكاديميين من أجل إنتاج العلم والمعرفة باللغة العربية.
ويضاف إلى هذا .. المجامع العلمية العربية أيضاً مدعوة لإعادة النظر في مهامها ووظائفها وأصل وجودها، فالغرض الأساس هو التعاون الحقيقي والفعال لخدمة اللغة العربية عن طريق البحث فيها وبها، وفي هذا أحسن سبيل لبناء الأمة العالمة وتأسيس المجتمع العلمي العربي إلى إدراك الدورة الهامة للغة في أن اللغة العامة أو المجتمع العلمي هو من يحب أن يتولى عملية التدوير والاستبصار وتوحيد الرؤية من خلال توطين العمل والبصر والبصيرة في الخطاب العربي وهذا معناه أن المجتمعات العربية مدعوة إلى مجال العلم والبحث من أجل الإنتاج الاقتصادي المعرفي كما أن العلماء والباحثين مدعوون هم أيضاً إلى توضيح كيفية تفاعل العلم والبحث والترجمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتأكيد على أهمية اللغة العربية للتطوير الوطن العربي والحفاظ على أمنه اللغوي.
الأساس الثالث: العمل على إخراج طاقات بحثية مميزة في مجالي العلم والمعرفة ولا يخص ما لهذه الطاقات من الزيادة في قوة الأمة وإحيائها وازدهار مشروعها القومي من الاهتمام باللغة العربية والبحث العلمي الجامعي في الوطن العربي سبيلاً للعلم وإحياء اللغة العامة والاكتفاء بالذات والاستغناء عن الآخرين، وإن موضوع التكوين والإنتاج يجب أن يبدأ من البيت العربي وذلك إيجاد البيئة المناسبة للبحث العلمي على صعيد الجامعات العربية سعياً لإخراج هذه الطاقات العلمية والمعرفية وذلك في البدء بغرس الثقافة العلمية باللغة العربية في المجتمع العام للأمة العلمية وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين.
العدد 1216 –3- 12 -2024