الثورة – معد عيسى:
من المبكر التكهن بواقع الاقتصاد السوري بعد الإعلان عن أنه سيكون اقتصادا حرا، لأن البنية التحتية لهذا الاقتصاد تم تدميرها بشكل كامل خلال ١٤ سنة من الحرب، فما لم يتم تدميره من المنشآت والمعامل تم تحويل عائداته لمصلحة المافيا الحاكمة، فيما تكفلت القرارات الحكومية بالقضاء على ما تبقى من إنتاج زراعي وغيره من القطاعات.
خلال ٢٠ يوماً من التحرير انقلبت معادلات ومؤشرات مهمة على أرض الواقع، فبعد أن كان سعر صرف الدولار في المركزي أقل منه في السوق السوداء أصبح سعر صرفه في المركزي أعلى منه في السوق السوداء، وهذا أمر إيجابي مهم لأنه سيرفع موجودات المصرف المركزي من القطع الأجنبي، كما سيساهم في استقطاب الحوالات الخارجية لمصلحة المركزي، وفي المحصلة تعزيز دور المركزي في ضبط سعر الصرف وتحقيق استقرار الأسعار، وإلغاء عقلية التحوط التي كان يقوم بها المنتجون والتجار، تحسباً لانخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، حيث كان يتم احتساب سعر صرف الدولار بأكثر من ٢٠ ألفاً، رغم أن سعره في السوق السوداء لم يتجاوز ١٥٠٠٠ ليرة، أي أن التحوط خوفاً من ارتفاع سعر صرف الدولار كان بحدوده الدنيا يزيد على ٥٠٠٠ ليرة، وهذا ما كان يتم عكسه على الأسعار.
الأمر الآخر، وهو مماثل لوضع الدولار من حيث الوفرة وانخفاض سعر السوق السوداء عن السعر الرسمي، وأقصد المشتقات النفطية حيث تشهد السوق وفرة في المشتقات إلى جانب عروض بالأسعار وبأقل من السعر الرسمي، مع الإشارة أن أسعار المحروقات لاتزال مرتفعة بنسبة تزيد عن ٢٠% مقارنة مع التكاليف والأسعار العالمية وأسعار دول الجوار، ولابد من خفضها لتقارب التكاليف، وهو ما سينشط الحركة والنقل والإنتاج، وفي المحصلة سيخفض الأسعار، وليس هناك مبرر لبقاء أسعار المشتقات مرتفعة بعد وقف سرقة واستنزاف الناس لتمويل الرواتب وجمع الأتاوات لزيادة ثروات الحكم البائد.
ما سبق ليس إلا مقدمة لانعكاسات بدأت تظهر وأخرى ستظهر مع مرور الوقت وسيكون لها انعكاسات على حياة الناس والاقتصاد الوطني.
إن العلاج الأساسي لوضع الاقتصاد بجميع جوانبه يبدأ من وضع اليد على حقول النفط والإنتاج منها وتشغيل المصافي المتوقفة.
وإذا تحققت هذه الخطوة سيكون لها تأثير الدومينو على باقي جوانب الاقتصاد المختلفة، وهي حجر الزاوية في أي حراك اقتصادي لأن حقول النفط ستكون أكثر من كافية لتأمين حاجة المصافي وتصدير الجزء المتبقي من الإنتاج، هذا هو الموضوع الأساس وما عدا ذلك تفاصيل في حال تحققت خطوة النفط باقي المشكلات ستكون في الحل حكماً، سنوفر دولار استيراد المشتقات والكهرباء لاحقاً، وسنحقق دولارا للخزينة، وهذا حكماً سيقود لاختفاء وتراجع المشكلات التي نراها اليوم تلقائياً.
ما سبق مؤشر إيجابي وجيد لتحسين الواقع المعيشي للناس ولوقف انهيار الاقتصاد ولكن الأمر يحتاج وبأسرع وقت إلى عودة النشاط المصرفي بكل عملياته (سحب، تحويل وإيداع) لأن الإنتاج وتحريك عجلة الاقتصاد مرتبطة بهذه الخطوات، فكثير من أصحاب الورش والمعامل والمصانع والمنشآت تحتاج إلى تحريك أرصدتها لتمويل نشاطها وعمالتها وتأمين المواد الأولية، وإذا كان الهدف من وقف نشاط المصارف مرتبطاً بعمليات التعقب لأرصدة وأعمال فلول النظام، فلابد من الإسراع بإنجاز المطلوب، ومن ثم رفع كل القيود الموضوعة على العمليات المصرفية.
الأمر الأخير الذي يشغل بال الكثيرين وله وقع كبير على حركة الشارع والاقتصاد يتعلق بصرف الرواتب وزيادتها، فرغم ضعف ما يسمى بالراتب، هناك شريحة واسعة ولاسيما من المتقاعدين تنتظر الرواتب لشراء الدواء والخبز، أما ما يخص رفعها لعدة أضعاف فهو أمر ملح جداً، ولن يشكل أعباء على الخزينة، رغم شح مواردها، لأن رواتب العاملين في الدولة مع رواتب المتقاعدين يعتبر مبلغاً زهيداً في كل الاعتبارات.
#صحيفة_الثورة