الثورة – تحقيق هلال عون:
“في كل لحظة يتغيّر فيها سعر الصرف تجد أنه تغيّر عند جميع “الشقيعة”، وهذا يعني أنهم مربوطون بجهة واحدة، ومجرد اعتقال بعضهم بشكل فُجائي قد يؤدي إلى معرفة الجهة التي تديرهم”.
للحديث عن المضاربة، والارتفاع السريع في سعر صرف الليرة السورية، والجهة التي يمكن أن تقف خلفها، والخطوات الممكن اتخاذها لمواجهة المضاربين، حاورتْ صحيفة الثورة المستشار الاقتصادي- تطوير أعمال، الأستاذ محمد الخطيب، كما حاورتْ الصناعي محمود المفتي حول نقص السيولة وأسبابها وعلاجها.
تلاعب وأرباح طائلة
بداية تحدّث الأستاذ محمد الخطيب عن تلاعب وأرباح طائلة حققها المضاربون الذين عرضوا كميات كبيرة من العملة الوطنية بعد أن رفعوا قيمتها مقابل الدولار إلى مستويات كبيرة جداً، مما جعلهم يجمعون أكبر كمية من الدولار بأسعار منخفضة جداً، ويبيعون الليرة المتوفرة لديهم بأسعار وهمية ومرتفعة ويحققون أرباحاً طائلة، مستغلين زيادة الطلب على العملة الوطنية، حيث يضطر المواطنون في مثل هذه الحالات لبيع ما يملكون من المدخرات كالذهب والعملات الأجنبية بأسعار متدنية للحصول على العملة الوطنية التي يحتاجونها في معاملاتهم اليومية.
هوية المضاربين
وعما إذا كانت لديه معلومات عن هوية المضاربين، أوضح أنه يعتقد جازماً أنهم أشخاص مرتبطون بالنظام المخلوع، وقد اعتمدوا على المنصات والمواقع المعروفة كموقع الليرة اليوم، وهو واحد من الأدوات التي استخدموها، وقد لاحظنا في سيارات الصرافين المنتشرة في بعض شوارع دمشق، كشارع ٢٨ أيار كميات ضخمة من العملة الوطنية المُكيَّسة التي تحوي خمسة ملايين ليرة من فئة الخمسة آلاف ليرة، وهذا يدل على أنها مسحوبة من البنوك بشكل رسمي، وغالباً حصل السحب قبل سقوط النظام المخلوع.
مؤشرات
وأضاف الخطيب: أعتقد أن المضاربين مرتبطون بالنظام المخلوع، والجميع لاحظ أنه في كل لحظة يتغيّر فيها سعر الصرف كان يتغيّر عند جميع “الشقيعة”، وهذا يعني أنهم مربوطون بشخص واحد أو بجهة واحدة عن طريق الموبايل وتطبيقات التواصل، ومجرد اعتقال بعضهم بشكل فجائي يمكن أن يؤدي إلى معرفة الجهة التي تديرهم والتي يعملون لمصلحتها، إلا إذا كانت هناك احتياطات تجعل قيادتهم بعيدة عن الأنظار، وبكل الأحوال يجب ملاحقة من يقفون خلف هذه العملية، وهم غالباً لا يتجاوزون أربعة أشخاص من كبار المضاربين.
الحلال والحرام
وعن سبب اعتقاده أن المضاربين مرتبطون بالنظام المخلوع قال: لا أعتقد أن تكون السلطة الحالية وراء العملية التي حصلت، وأستند في رأيي هذا على فهمي لعقلية هذه السلطة التي تنطلق من مفاهيم الحلال والحرام، وتعمل على مساعدة الطبقة ما دون الوسطى التي أصبحت هي الغالبية في مجتمعنا.
خسائر فادحة
وحول ما إذا كان هناك تناقض بين موقفه السلبي من ارتفاع سعر صرف الليرة السورية الذي حصل الأسبوع الماضي، وبين رغبة السوريين بارتفاع قيمتها، أوضح قائلاً: جميع الناس يرغبون بنزول سعر صرف العملات الأجنبية وارتفاع قيمة العملة الوطنية، وأنا منهم، لأن ذلك يعني بالنسبة للمواطن العادي المستهلك انخفاض قيمة السلع والخدمات، وهذا مناسب جداً لوضع المواطن السوري، لأن الدخل أصبح دون المتوسط لغالبية الناس، لكن ارتفاع سعر الليرة وانخفاض سعر الدولار بهذه السرعة الهائلة (بضعة أيام) تسبب بخسائر فادحة لشرائح واسعة من المواطنين والتجار الذين لم يستطيعوا التقييم بسرعة، وكذلك تضرر الحاصلون على قروض، فهؤلاء قدروا حاجاتهم حسب سعر الدولار العادي في الفترات السابقة.
الحل الأمثل
ورأى أن الحل الأمثل هو أن يكون هناك هبوط تدريجي بسعر العملة الأجنبية لأنه يتيح للجميع استيعاب المتغيرات والتفاعل معها، وإيجاد حلول لها، وتجاوزها، حيث يستطيع كل شخص يكون طرفاً لإدراك التحولات القادمة واستيعابها وتجنّب أذاها، فالنسبة التي ارتفقت بها الليرة خلال بضعة أيام، كان يُفترض أن تكون بضعة أشهر.
ودعا الخطيب إلى حصر تصريف العملات بشركات الصرافة المرخصة لتستطيع مراقبة ومتابعة أسعار الصرف عن طريق البنك المركزي، وحينذاك يمكن للدولة ضبط الأسعار من خلال التحكم بسعر العرض والطلب.
معالجة نقص السيولة
الأستاذ محمود المفتي تحدث عن نقص السيولة فقال: السيولة المالية هي الكتلة النقدية من العملة المحلية، المتداولة بين الناس، وقد انخفض حجم هذه الكتلة بسبب تقييد الحسابات المصرفية وتخفيض حجم السحب اليومي، وتخفيض الإنفاق العام، وهناك علاقة مباشرة بين وفرة السيولة أو قلّتها، وبين سعر الصرف صعوداً أو هبوطاً، لأن العملة هي سلعة تخضع للعرض والطلب، فعندما يزداد الطلب عليها يرتفع سعرها، وهذا ما حصل مع الليرة السورية في الأيام القليلة الماضية.
وحول كيفية وإمكانية معالجة نقص السيولة، أكد أن الحكومة الحالية بدأت تتخذ خطوات محددة لأجل ذلك كالقرار الذي أصدره المصرف المركزي برقم 198/8/ص تاريخ 5/2/ 2025 والموجه للمصارف العاملة في سوريا، المرخّص لها التعامل بالقطع الأجنبي.
ويهدف القرار- برأي المفتي- إلى تحرير سيولة الليرة السورية، وإلى تحرير المبالغ المحتجزة في “منصة تمويل الاستيراد” وإعادتها تدريجياً.
ولفت إلى أن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية باسل عبد الحنان، كشف بتاريخ 14 كانون الثاني 2025 أن السيولة المحتجزة في منصة تمويل المستوردات تقدر بـ 600 مليون دولار أميركي، وقرار المركزي الجديد يعني إعادة تلك الأموال خلال فترة لا تتجاوز 6 أشهر، أي بمتوسط 100 مليون دولار شهرياً.
فك قيود الليرة
ورأى أن هذا القرار، إذا ما طبق فعلاً، فسيكون أول خطوات فك قيود الليرة السورية وتسهيل الاستيراد والنتائج ستظهر خلال أشهر، مبيناً أنه كان قد سبق قبل هذا القرار السماح بتحريك هذه الحسابات لدفع فواتير الكهرباء والضرائب على مكلفين وحتى تحويل أموال بين الشركات والأفراد، مما قلص هذه المبالغ.
وأخيراً شدد المفتي على ضرورة إيجاد حل لمشكلة الرواتب، ومشكلة سقف السحب اليومي، كما دعا إلى زيادة الإنفاق الحكومي على المشاريع الاستثمارية، وخاصة المشاريع قصيرة الأجل لأن دورتها المالية سريعة.