ثورة أون لاين: كلما دعت الحاجة لتمرير صفقات خاصة أو تحقيق مآرب شخصية عند بعض المتنفذين , درجت العادة على إلباس الموضوع ثوبا من الشرعية, فعندما يكشف النقاب عن مئة ألف فرصة عمل في وقت مئات الألوف لا يزالون يبحثون عن فرصة واحدة , و عندما لا يتوقف الامر عند هذا الحد بل يسمع طالب العمل مبررات واهية لعدم قبوله للتقدم إلى المسابقات ( و التي كانت سابقا نادرة و محدودة ) إلا لذوي الميزات العالية بما يتماهى مع الحرص الظاهري لعدم السماح للقبول في وظائف الدولة إلا الأشخاص ذوي الكفاءات و القدرات الخلاقة ؟!
و السؤال هنا أين كانت كل هذه الوظائف التي تكشفت و أعلن عنها منذ تسعة أشهر , ابتداء من المديرية العامة للمصالح العقارية مرورا بوزارات النقل و الإدارة المحلية و الصحة فالتربية التي تستوعب العدد الأكبر دائما , و الملفت للنظر في هذا السياق أن الحكومة السابقة , أعلنت عام 2010 أنها ستؤمن في العام القادم (2011 ) , 63565 فرصة عمل , لقد كتبت رقما يبدو للناظر إليه أنه في غاية الدقة و وتم التغاضي عن 36435 ألف فرصة تركت للمحظين دون أدنى شك ؟!
ابتكار القرارات
أنحلت عقدة لسان البعض من العارفين ببواطن الأمور و أفصحوا عن السبب الحقيقي لتلك القرارات المريبة و التي كانت قد ركّزت على 17 % من الخريجين فقط و أهمل ال83 % الباقين من هؤلاء فبقيوا في مهب المجهول و تبين بعد ذلك أن السبب الحقيقي لتلك الإجراءات كان يتمثل بأن هناك مجموعة من الأشخاص , كان عرابو ابتكار تلك القرارات , يريدون إعطاء بعض منهم ممن تقدم للعمل في وقت متأخر و لديهم مصالح خاصة مع من يتوسط لهم , فقدموا لهم فرص عمل لا يستحقونها لأنهم بعرف الدور و القانون يحتاجون إلى عدة سنوات من الانتظار أسوة بمن انتظر سنوات طوال طلبا للتوظيف و بالتالي استطاعوا ( و بالقانون ؟! ) تقديم دور هؤلاء المحظيين على من انتظر و تركوا من انتظر حتى ينتظر مزيدا من السنوات الأخرى على مبدأ ( إلي مو عاجبو يبلط البحر )
شروط تعجيزية
فاخترعوا لتضليل كثير من المتقدمين لطلبات العمل , ضرورة خضوع الخريج الجامعي لمجموعة من الشروط التعجيزية لمن يودون التقدم للمسابقات إلى اختبار عالي المستوى بتقانات الحاسوب مع ضرورة الحصول على شهادة عالية باللغة الانكليزية من المعهد العالي للغات و كأن هؤلاء المنتظرين كل تلك السنوات حيث بقي بعضهم ينتظر 12 عاما ليحصل على الوظيفة الموعودة ؟!
كان ينقصهم هذه الإجراءات الغريبة التي تقول لهم اذهبوا إلى الامتحان الفلاني و العلاني و انجحوا ثم تعالوا و قدموا أوراقكم للتوظيف فربما بعد ذلك و بمزيد من الانتظار أن يأتيكم دور ؟!
و كان لسان حال هؤلاء المنتظرين لماذا تريد الحكومة أن تجعلهم يشعرون و كأنهم يعيشون في بريطانيا حتى تتم مطالبتهم بهذه الشهادات الانكليزية و سواها و الأسوأ من ذلك انه لن يتوقف انتظار المنتظرين , على النجاح في تلك الاختبارات ليشعروا بأنهم اقتربوا من تحقيق الحلم بالحصول على الوظيفة المرجوة , بل إن مدة صلاحية الشهادتين هي سنتين فقط ما أن تنتهيان حتى تعود المعاناة طلبا للحصول عليهما مجددا و هناك آلاف من طالبي العمل حصلوا على كلا الشهادتين أو احداهما مرة و مرتين و انقضت مهلة السنتين و عادوا للتقديم مجددا دون الحصول على أية فرصة تذكر
مشاهد للذاكرة
كان منظر سيدة حامل يتكرر بين ألوف المتقدمين لكل امتحان ( انكليزي أو حاسوب ) من تلك الامتحانات و كذلك منظر السيدات اللوات تجر كل منهن ابنها أو ابنتها الرضيعة بالعربة التي أمامها حتى تحصل على تلك الشهادة ؟! و غالبا ما تكون النتائج في تلك الامتحانات سلبية ليعاود الجميع الكرّة من جديد عبر انتظار إعلان موعد جديد للامتحان و طبعا تضيع الفرصة على البعض في كثير من الأحيان لأن موعد الامتحان الوطني للحاسوب بعد آخر موعد لمسابقة ما فتضيع الفرصة لمجرد أن الوقت قد فات و ليس لأي سبب آخر
ناهيك عن المشهد الأكثر مأساوية و هو وجود العائلة بأكملها في موقع التقدم للامتحان حيث يكون رب العائلة من ذوي الأعمال الحرة التي تعاني القلة و الشح و هو يأتي مع زوجته وولديه عاقدا الأمل في فرج قريب عبر الحصول على عمل لزوجته , لا شك أن ذلك الموقف هو أصعب المواقف على الرجل و لكن لسان حال من يعانون ضائقات معاشية أكثر من سواهم , لسان حالهم يقول الذي يعرف يعرف ….
صورة حية
و قد عبر السيد فرهاد محمد عن الوضع القاسي الذي يعانيه جراء عمله في مجال بيع بعض الأغراض البسيطة من جوارب و قفازات … على بسطة و لديه ستة أولاد صغار زوجته معها معهد فني وهو يعاني منذ سبع سنوات بحثا عن وظيفة لها علها تعينه في ظروف المعيشة القاسية , هي الآن تدرّس مادة الرسم في منطقة الغوطة مكلفة مؤقتة بساعات و قد أعطوها ست ساعات أسبوعيا أي 1800 ل.س شهريا هذا إذا لم يصادف بين الأيام التي تعطي فيها ساعات يوم عطلة رسمية إذ تحذف فيها الساعات لذلك اليوم و قال متألما كل الناس تنتظر العطلة إلا نحن ننزعج منها لأنها تقلص من المبلغ الشهري الداعم لنا و لو بنسبة محدودة جدا , و لكن الكحل أفضل من العمى , وذكر أنه في العام الماضي تقدمت زوجته على مسابقة وزارة التربية و لكنها رفضت لأن عمرها كان آنذاك ثلاثين عام و أسبوعين و كان الحد الأعلى ثلاثين عام فقط
و بين ليلة و ضحاها و بعد أن تم تعيين المحظيين و لم يعد هناك مشكلة قانونية في ذلك تم إسقاط
المقررين السابقين من الاختبارات كمؤشر جلي وواضح على خطأ ما كان من شروط صعبة و تعجيزية لمن لا يعرف و كمؤشر خفي مر فيه من هناك رغبة لتمريره لمن يعرف ؟!
و الأسوأ من ذلك أنه بدأت تظهر مجددا بعض المسابقات التي عادت للعزف على وتر هاتين الشهادتين و للحصول عليهما يجب النجاح بالامتحان الوطني للحاسوب و الانكليزي و اللتين حرمتا الألوف من الخريجين الجامعيين من التقدم لعدة مسابقات عام عامي 2010و2011 أبرزها مسابقة مصرف سورية المركزي حيث طلب المصرف ضمن شروط التقدم و ليس القبول أن تكون الشهادتين السابقتين من أبرز أوراق التقدم للمسابقة و الآن عادت وزارة الإسكان و المرافق العامة الان لتطلب هاتين الشهادتين مجددا رغم أن، الوزارة تريد ثمانية خريجين جامعيين فقط ونتيجة ندرة المسابقات يجد المرء أن تلك الفرص الثمانية يتقدم إليها الآلاف ومع ذلك فمجرد التقدم لمسابقة ما فيه ذرة أمل للكثيرين الذين يعرفون أنهم يتقدمون بالاوراق الى مسابقة ما و هم يدركون في قرارة أنفسهم أن النتيجة النهائية بالنسبة لهم ستكون خلبية لا محالة ؟!
موقف ايجابي
لكن من جانب آخر يسجل لوزارة الإسكان موقف ايجابي و هو وضع نسبة 20 % من معدل النجاح لمن كان قد سجل في مكاتب التشغيل بوزارة الشؤون الاجتماعية و العمل هؤلاء الذين تجاوز عددهم المليون و ثمانمائة ألف شخص تم نسيانهم تماما و نسيان 11 عاما قضاها عشرات الألوف منهم بانتظار فرصة التشغيل التي لم تأت و عاد فيها هؤلاء إلى دائرة مفرغة يتخبطون فيها الآن بحثا عن شخص متنفذ برتبة وزير أو مدير عام علّه ينظر إليهم بعين من الرضا و القبول فيقوم بتوظيفهم و هؤلاء المظلومون مرتين , مرة بالانتظار و أخرى بإلغاء الدور دون حساب لسنوات انتظارهم يتم ظلمهم مرة ثالثة بحيث إذا لم يكن هناك من أحد ذو سلطة يمد لهم يد العون فعوضهم على الله و أصلا هؤلاء لو كانت لديهم صلات بالطبقة العليا من السلطة لما بقيوا طوال تلك السنوات ينتظرون
خطوات متعثرة
مع الأسف الشديد كانت بداية العبارة التي ذكرها سامر خداج و هو باحث عن وظيفة منذ عشر سنوات حيث بلغ عمره الان واحد و ثلاثين عاما و لا يزال يأخذ مصروفه من أهله ( يحمل اجازة في الادب العربي ) ذكر أنه كلما عقد الامل على مسابقة ما كانت شهادتا الحاسوب و الانكليزي تقفان عائقا أمامه فمنذ ثلاث سنوات و نصف تمكن من الحصول على شهادة الانكليزي و لكنه عاد و رسب بعد انتهاء السنتين أما الحاسوب الذي تقدم اليه اخر مرة منذ أربعة أشهر في مبنى كلية الحقوق فقد رسب على علامة واحدة حصل على 49 بدلا من 50 يحصل فيها على الشهادة و اردف أن ذلك منتهى الظلم أن يبقى سنوات طويلة راجيا الحصول على فرصة عمل ثم تقف حائلا بينه و بينها علامة
ثم علق خداج لا شك أنه متفائل كثيرا بهكذا كلام فما يلي تقديم أوراق المسابقة من محسوبيات قد يجعله و هو المرشح للنجاح أن يكون ضمن المجموعة الاخيرة من تسلسل النجاح و هذا ما حصل معه في مسابقة وزارة التربية عام 2010 حيث نجح و انتظر أن يكون تسلسله من ضمن المقبولين و بقي يعيش عاما كاملا على هذا الامل الخلبي فانتهت السنة و ضاعت الفرصة و ها هو يبدأ في خطوات متعثرة من جديد
الوقت يمضي
الوقت يتسارع و عمر الصغير ممن تقدم للتوظيف منذ بدء التسجيل بمكاتب التشغيل تجاوز الآن الثلاثين عاما , هذا العمر الذي بات خطا أحمر للقبول بالدولة و مع أن تعديله إلى عمر 35 سنة يريح البعض لكن المشكلة الكبيرة تبقى ماثلة أمام الكثيرين بن يبقوا صفر اليديهن أن حصيلتهم النهائية هي ( صفر اليدين )
السؤال الذي يطرح نفسه الآن إلى متى يبقى التسلح بالقانون ظاهريا ساري المفعول من أجل تنفيذ أمور شخصية و تفضيل الأقارب و المقربين على ذوي الحقوق الذين لا ذنب لهم في هذه الحياة إلا لأنهم ليس لهم ظهر يستندون عليه ؟؟!
الخاضعون للاختبار يقترحون..
و قد كان هناك رؤية مشتركة لكل من شادي محرز و عادل الأسود و أوس قاسم و غنوة شاهين و سمر عيسى حول فكرة القبول بانجاز هذه الشهادتين و بنسبة نجاح جيدة شريطة ضمان التعيين و الحصول على الوظيفة قبل انقضاء مدة السنتين اللتين تنهيان مدة صلاحية الشهادتين ( الانكليزي و الحاسوب ) و إلا فما الحكمة من اللهاث و دفع المال في وقت هم غير منتجين و عالة على ذويهم فالشهادتين تتطلبان في كل مرة حوالي 2500 ل.س بين رسوم تسجيل و شراء كتب أو ملخصات للدراسة ناهيك عن مرارة انتظار موعد لانجاز الامتحان و ألا يكون هذا الموعد يأتي بعد موعد مسابقة ما , بحيث يخسر طالب الوظيفة فرصة معينة قد يكون فيها خلاصه و حظه في الحصول على الوظيفة المرجوة
لماذا السير بخطا خاطئة ؟
أستاذ القانون الجزائي بجامعة دمشق الدكتور سعد الدين الشامي نوه إلى أنه لا يخفى على الكثيرين وجود حفنة من الموظفين الكبار المخضرمين في كل دائرة من دوائر الدولة ( لديهم دكتوراه بالقدرة على الالتفاف على القانون من خلال القانون نفسه ) , يتخفى هؤلاء خلف مدير أو وزير و يديرونه دون أن يدري حسب رؤاهم ووجهات نظرهم السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق الان ما الداعي لتلك الاختبارات باللغتين الانكليزية و الحاسوب ألا يجوز تدريب كل طويل عمر بعد نجاحه بمقر عمله إن كان بحاجة إلى اللغة الانكليزية فليتعلم مهاراتها كما يحدث الآن بكثير من القطاعات الحكومية و إن كان بحاجة لتقانات الحاسوب فليتعلمها هي الأخرى آنذاك فلا شك أن كل عمل سيكون له بيئته و خصوصيته التي ستفرض عليه الخضوع لفترة تدريب معينة
أما إن كان الموضوع عملية ابتكار طريقة لتمويل الجهات التي تصدر شهادات الحاسوب و الانكليزي فلا شك أنه يكفي هنا إعطاء المتقدم شهادة حضور تصبح هي البديل عن دوامة النجاح و ضرورة التقدم و النجاح كل سنتين ليبقى طالب العمل في دوامة تقدم و شهادة و عودة الى بدء و في استنفار و حالة تعبئة و جهوزية دائمة لوظيفة لا تأتي أو أن تكون الشهادة التي يحصل عليها طالب الوظيفة ذات فعالية دائمة أسوة بكل الشهادات التي يحصل عليها الطلبة في المدارس و الجامعات
لا نية للإلغاء
لا توجد فكرة حالية لإلغاء هذين المقررين أو إجراء تعديل بطريقة التعاطي معهما حسبما أوضح السيد طه فرحات مدير القوى العاملة بوزارة الشؤون الاجتماعية و العمل بأن رئاسة مجلس الوزراء أكدت على أن شهادتي الانكليزي و الحاسوب من ضمن الأوراق المطلوبة للتقدم إلى المسابقات و ذلك صدر ضمن القرار 16469 تاريخ 23-11-2011 , و نوه فرحات حتى تاريخه لم تردنا أية شكوى يطلب فيها أحد إلغاء المادتين أو تعديل عملية التعاطي في الية العمل بهما , فبدون شكوى لا يمكن التحرك و عدم وجودها يعطي مشعرا مبدئيا بأن الامر يسري على ما يرام
, ورغم أن الحكومة السابقة أسقطتهما من شروط التقدم , ارتأت بعض الجهات أن وجودهما يعطي أفضلية و تميز للمتقدم طلبا للحصول على الوظيفة
يبقى السؤال
السؤال الذي يبقى يدور في الأذهان متى يفكر الذين يصوغون القرارات في الدولة بمدى تأثير ما تتم صياغته على حياة الآخرين و مستقبلهم و على حياة المجتمع و مستقبله كمحصلة نهائية لما يتم إقراره بنفس السوية التي يفكرون فيها بالخيارات التي يتذرعون بها مقدمين فرصا قد تكون خلبية أو فيها شروط تعجيزية أو يتم فيها تفصيل شروط في بعض الحالات الخاصة على مقاس البعض تحديدا و مع أن البقية من آلاف المتقدمين لفرصة عمل أو أخرى يكونون ظاهريا متمتعين بنفس الشروط و القوانين لكن في الحقيقة يكونون بلغة التمثيل كومبارس
ينطبق عليهم المثل القائل مقسوم لا تأكل و صحيح لا تكسر و كل حتى تشبع ؟
الثورة أون لاين- موسى الشماس