الثورة – عمار النعمة
وأنت تتجول في أروقة اتحاد الكتاب العرب بدمشق تشاهد مجموعة كتب ضمن غرفة زجاجية عند المدخل لكتّاب وشعراء وروائيين أثروا حياتنا بالعطاء والإبداع، تقع عينك على كتاب مهم لروائي كبير حمل هموم الناس ومعاناتهم، كتب عن العمال والفلاحين والفقر، لامس قلوبنا جميعاً في رواياته التي حفرت بصمة واضحة في عالم الإبداع.. إنه الروائي حنا مينه ضمن سلسلة الدراسات من إصدارات اتحاد الكتاب العرب بدمشق لعام 2024 صدر كتاب جديد للباحث عبد الحميد محمد الحسين حمل عنوان “الاغتراب في أعمال حنا مينه- روايات التسعينيات أنموذجاً”. يهدف الكتاب إلى دراسة ظاهرة الاغتراب في بعض أعمال حنا مينه الروائية المُمتدَّة من عام (1990م) إلى عام (1999م)، وهي: “الولاعة”، “فوق الجبل وتحت الثلج”، “الرحيل عند الغروب”، “النجوم تحاكم القمر”، “القمر في المحاق” ،”حدث في بيتاخو”…الخ وذلك للكشف عن تأثيراتها النفسية في الشخصيات الروائية، نظراً لانتشار هذه الظاهرة بين الأوساط الاجتماعية. يتحدَّث الكتاب عن الجوانب المظلمة في أعمال حنا مينه، إذْ يحاول رسم معالم المعاناة التي عاشتها شخصيَّاتُه، من خلال دراسة نتاجه الأدبي في التّسعينيَّات، ويكشف عن حالات اغتراب الشخصيَّات، وأسبابها، وردِّ فعل الشخصيات تجاه حالات الاغتراب التي مرَّت بها، ويسعى أيضاً إلى الإجابة عن تلك التساؤلات الَّتي أُثيرت في إشكالية الدراسة. يرى الباحث أن أعمال مينه التي كتبها تكاد تمر بظواهر الاغتراب التي عانت شخصياته منها ومن ويلاتها، تلك الظواهر التي يتماهى فيها القلق والتشتت والحزن تبعاً للظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، القاهرة للذات، وبالنظر في هذه الظاهر في أعماله يُلاحظ أنها قد جسدت مفاصل الحياة الاجتماعية .الغربة الذّاتيّة في رواية “فوق الجبل وتحت الثلج”، نذكر وقد قال في نفسه بطل الرواية: وداعاً أيّها البحر، عليَّ أن أودعه كبحّار، لقد انتهى كلّ شيء الآن، لم يعد الماء ملعبي ومملكتي، كابرت كثيراً، ورفضت تقبّل هذه الحقيقة، وأصررت على أنّني لن أهرم، وسأظلّ ذلك البحّار، لكنّ الأعوام الطويلة أوهَنَت قواي، وصار عليَّ منذ الآن، أن أقف على الشّاطئ وأخوض في الماء بمقدار، سأسبح كما يفعل الآخرون، وقد أذهب في العمق قليلًا، لكنّني لن أكون فارس البحر بعد اليوم. الحي – المدينة، المدينة منطقة جغرافية مفتوحة، يقطنها مجموعة من السكان، وقد يشعر من فيها بالاغتراب، كشخصية (فاطر اللجاوي)، التي شعرت بالاغتراب المكاني فيها، من الازدحام الناتج عن كثرة السكان، والضجيج الذي يسببه صوت الآلات ومزامير السيارات، وتلوث الهواء الناتج عن كثرة المعامل والسيارات، ولذلك لجأ إلى مكان (شاليه) على الشاطئ للخروج من حالة الاغتراب تلك، وللقاء عشيقته (سلافة)، التي كانت كذلك تهرب من ضوضاء المدينة إلى (الشاليه) الذي اعتادت على النزول فيه كلَّ مُدَّةٍ ، فقد كانت المدينة لكل منهما سجناً واسعاً – فكانا يلتقيان كلما انتشر الاكتئاب الناشئ عن زحمة المدن تلوثها، لهاثها ، صيرورة الناس براغي صغيرة في آلة الصناعة الجهنمية التـي تفري لحماً نفسياً بين مسنناتها. مفهوم الاغتراب من المفاهيم التي تطرق إليها الأدباء والنقاد كثيراً وقد عانى الإنسان قديماً وحديثاً الاغتراب، فواجهه بكل الطرق المشروعة، فكيف ذلك إذا كان الحديث عن أعمال حنا مينه شيخ الروائيين الذي قدم روايات مازلنا حتى اللحظة نشعر بجمالها ودفء معانيها.

السابق