حين تَكتبُ القوافي انتصاراتها على جدران المعتقلات.. الحسون لـ”الثورة”: حرّة تبقى بلادي ولن يموت صوتها فينا

الثورة – رنا بدري سلوم

 

لم يكن هناك سبب واضح ومباشر لاعتقاله، حاله كحال آلاف السوريّين الشّباب الذين رآهم كالزّهر الذي يتفتّح في أكمامه مبشراً بالربيع.. رأى أجسادهم الغضّة تذوي في لهيب المعتقلات وتتكسّر في صقيعها، وهو ما دفعه إلى كتابة رواية بعنوان “ظلال”، وبعد التحرير قد أفرد فيها فصلاً طويلاً روى تجربته في المعتقلات وما تعرّض له.

 

الشّاعر الدّكتور مصطفى أنيس الحسون نثر لنا شعراً ما فاض به قلبه في المعتقلات، فكما روى لنا في حديث خاص لصحيفة الثّورة “لم يعدم النظام البائد الحجج والأسباب وإلصاق التهم التي تبرر اعتقالي كغيري من الآلاف، ولم يكن هناك من سبب سوى الانخراط في الحراك الشّعبي ونقل أصوات المعذّبين، ولاسيما من خلال شقيقي، حيث كنت أعطيه بعض الرموز والإشارات لتتحول إلى خبر عاجل على قناة الأورينت وغيرها من القنوات الداعمة للثورة السورية، والتي تهتم بنشر الانتهاكات التي كانت تحدث آنذاك، حتى تحوّلت في صباح الرابع والعشرين من تموز ٢٠١١ إلى رقم في معتقلات الأمن العسكري في إدلب، ثم إلى خبر على القنوات نفسها”. أدرك الشاعر الحسون بعد أن خرج من أول اعتقال، أن البلاد دخلت في نفق مظلم طويل، فكتب العديد من القصائد التي تلمح للواقع من دون التّصريح به، وقد اختار العودة إلى دمشق بعيداً عن أعين المخبرين المحليين، وكون سكنه الأصلي فيها، ولأنه يعلم أن دمشق حانية وطيبة حتى في أقسى حالات الألم بقي فيها. فكتب قصيدة “أولياء الدّم” للمشاركة في مسابقة عبد الله القرشي بقصيدة التفعيلة في الأردن، وقد حازت على المركز الثاني، كتبها بعد خروجه من أوّل اعتقال له في إدلب، ويقول فيها: أولياءُ الدّمِ كفِّنِي جُرحي، وَوارِي سَوءةَ الأوجاعِ، طالَتْ مِحنةُ الطِّينِ الحزينْ دثِّرينِي..دثِّرِي حُمقَ الصَّحارى.. حيثُ إنَّا ما استطَعنا أن نلمَّ الشَّعثَ يوماً مِن مَيادينِ السِّنينْ كم مضَى من أَزْمُنِ الأوجاعِ؟ قُلْ لي يا صَديقي! داحسٌ مرَّت.. ومرَّت بعدَها الشَّمطاءُ تبكي ناقةً تُدعَى (سرابْ) ثمَّ مرَّت بعدها أفيالُ أَحباشٍ ومرَّت حادثاتٌ لم تدَعْ فينا أَنين لعنة الطين بأنّا من جراح الكبرياء قد ولدنا وعلى درب الخزامى قد زرعنا الياسمينْ.. حرّة تبقى بلادي لا يموت الصوت فينا لا ولا يوماً يهونْ.

 

لم يرق للعين الغادرة أن يطيب له البقاء، فاعتُقل الحسون ثانية في فرع الخطيب بدمشق، وتم خطفه من أمام باب وزارة التربية، وللأمانة والتاريخ لم يألُ الوزير الأديب وقتها جهداً حتى خرج من المعتقل بسلام، وقد شعر بعدها بالخيبة والخذلان من بعض الأصدقاء وزملاء مهنة الحرف، ومرّ بعدها في ساحة المرجة، فأوحى له الحمام بقصيدة “مازلت مثلك يا حمام”، القصيدة التي كتبها بعد خروجه من معتقل فرع الخطيب يخاطب الحمام: مازلت أحلم ما زلت مثلك يا حمام ما زلت أحلم بالصباح مزركشاً بالأمنيات وقد تعطّر بالندى مازلت أحلم بالهواء وقد توضّأ بالغمامْ. طرْ فوق أحقاد الترابِ مرفرفاً طرْ فوق أحقاد العباد محلّقاً سبّح إلهاً كَأيّ نبع يرتجي غير الربيعِ؟ وأيّ جرحٍ سوف يرف وحزن هذي الأرض حين ينوح في هدأة ليلٍ قلب ثكلى فارقت حلماً يناغي قبّرات الحق لتهتف في خشوعٍ للغمامْ.

 

وكانت التجربة الأقسى بعدها في فرع فلسطين يقول الحسون: “رغم توسّط الوزير المذكور وكفالته خرجت، لكن بشرط المراجعة كل شهر، ما حال دون هروبي خارج دمشق، وأذكر أنني عبرت عن حالة السخط والألم بقصيدة “سقط الحصان”، لأعلن من خلالها بموت الأدب في مجتمع مات فيه النقاء وانعدم الضمير، ثم تفاجأت بعدها بفصلي من العمل للأسباب نفسها، وطبعاً لم يشفع لي أنّني أعمل موجّهاً أول لمادة اللغة العربيّة في وزارة التربية! لأدخل في دوامة ما يسمى محكمة قضايا الإرهاب، ثم العودة بعد صراع مرير كانت أيادي الوزير البيضاء حاضرة بقوة، وطبعاً لم يسلم بعدها ذلك الوزير من التهم بالاختلاس وغير، وقد حورب بسبب رواياته التي تطرق فيها بالتحليل لشخصية رجل الأمن المريضة في ظل ذلك النظام، وقد أقعده المرض وهو اليوم يدفع أثمان تلك المواقف على سرير المرض”. وإليكم القصيدة التي كتبها الشاعر بعد خروجه من معتقل فرع فلسطين بعنوان “سقط الحصان” يقول فيها: سقط الحصانُ…تغيّرت كلّ الملام حلم يعد للصبح لون الصبح ..لا لون الضياء…له ضياءْ. سقط الحصانُ وسافرت كلّ السكاكين العتيقة في جذور الشمس تقطع رحمها وتحيك من شعر الغواية ألف حبلٍ من بغاءْ. سقطت حروف النبض والشعر الدعيّ من القواميس التي خلقت.. ترتّل قصّة الكونِ بصوت الببّغاءْ. تطوّر عمل الحسون في الإعلام التربوي، وابتدع هامشاً أدبياً يدافع من خلاله عن شخصية زملائه المعلمين، وليجعل منه نافذة يتطلع من خلالها للحريّة والضوء ولو من خلف الكلمات.

 

صدر له عن وزارة الثقافة ديوان “تداعيات لامرأة مستحيلة”، فحرض بعض الأقلام ضده من جديد على اعتبار أنه شخص معارض وينبغي ألا تنشر له جهة رسمية.. لكن- والكلام له – “الخير لم ينعدم في حياتنا والأشخاص المنصفون كان لهم الفضل في إحداث التوازن على مرّ سنوات الخيّبة والظلم.. لكنني بعد ذلك انتسبت لاتحاد الكتاب العرب وتأصلت بعد مجموعة “لك كلّ هذا البوح”.وقد وافق الاتحاد على طباعة مجموعة اسمها “ذات ضوء” كان يعتبرها تعبّرعن يقينه بانتصار الثورة.

 

وبعد التحرير عاد لحمام المرجة وخاطبه من جديد.وعن سؤال ما هي قضية الشاعر مصطفى أنيس الحسون أجاب: قضيتي أن أنصر الحق ما استطعت إلى ذلك سبيلاً وأجدني في الحياة أقحم نفسي من دون إرادة مني كي انتصر لمظلوم على ظالمه مهما كانت المظلمة بسيطة، أما عن الحريّة تعني لي اليوم بعد هذا المخاض العسير أن نبني الإنسان وأن نحترم إنسانيّته ولا ننتقِص من كرامته، وأن يكون شعارنا خطاب الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”.

آخر الأخبار
إنزال أول كابل بحري دولي يربط سوريا  بالعالم  سوريا تعزز موقعها الاستثماري في "مبادرة مستقبل الاستثمار 2025" بالرياض   الدواء السوري يعود إلى الواجهة   دعم منظومة مياه الشرب في بصرى الشام بدرعا   مسؤول أممي: إعمار سوريا ضرورة لاستقرار المنطقة الذهب والمعادن الثمينة.. فرصة لتعميق التعاون بين سوريا وأذربيجان أول سفير تركي في دمشق منذ 2012 ..ترسيخ للعلاقات والتعاون الاستراتيجي بمشاركة 50 صناعياً.. انطلاق معرض خان الحرير للألبسة الرجالية في حلب بحث تعزيز التعاون بين جامعة حلب ومنظمة "إيكاردا" و "السورية للبريد" هاكان فيدان يعيّن نُوح يلماز سفيراً لتركيا في سوريا "المؤتمر الطبي الأوروبي العربي الأول".. شراكة للعلم والحياة قطر وباكستان تجددان دعمهما لوحدة وسيادة سوريا الأمم المتحدة: 300 ألف لاجئ سوري عادوا من لبنان إلى وطنهم منذ مطلع 2025 وزير التعليم العالي: سوريا تنهض بالعلم من جديد وتستعيد مكانتها الطبية في العالم مايك بومبيو: أحمد الشرع هو “الرهان الأفضل” لمستقبل سوريا والمنطقة مئة يوم على اختفاء "حمزة العمارين" في السويداء ومطالب حقوقية بكشف مصيره أسعار المدافىء في حلب تحول بين المواطن ودفئها.. والغلَبة للبرد..!   وفد إعلامي سوري يختتم زيارة إلى قطر لتعزيز التعاون الإعلامي بيروت تُعين هنري قسطون سفيراً لها في سوريا قطاع الكهرباء.. فرص واعدة وتحديات قائمة