في زمن العجائب واضطراب المفاهيم بتنا نسير بالمقلوب، فعلى رأي المثل أصبح الأمير يكتب قصائد الحزن، والفقير يكتب قصائد الفرح، لكن الأكثر إيلاماً هو نكران الجميل حين يكسر الأعمى عصاه بعد أن يبصر.
هكذا حال البعض في مجتمعنا اليوم، يعرفون الحقيقة وينكرونها، يدعون الفضيلة ويمارسون عكسها، ينفقون على الناس رياءً وليس محبة وواجباً تكافلياً، بل للفت الانتباه وتبييض صورتهم في عيون الآخرين.
صحيح أن المياه تعود إلى مجاريها لكنها لا تعود ربما صالحة للشرب، فالتجارب علمتنا أن الذي لا يحسن التصرف يتكلم بما سيعمل، والمغرور يتكلم بما عمله، فيما العاقل يعمل ولا يتكلم.
فكم جميل أيها الإنسان أن تكون مرٱة نفسك التي لا تقبل التزييف، وإن كانت النفس أمارة بالسوء في بعض الأحيان، عليك أن تراها بخيرها وشرها بحسنها وقبحها، قربها وبعدها، فالميزان الحق أثقله بما هو إيجابي ليطفو على سطح الحياة بعمقها حيث يكمن الجوهر، فيما يهاجر الزبد إلى حواف الجفاف.
فالشخص مهما علا شأنه لن يستطيع تغيير شكله ليصبح أجمل وألطف في عيون الناس، ولكنه يستطيع التحكم بأخلاقه وتزيين أدبه ليكون أجمل ما رأت عيون هؤلاء.
علينا التخلي كأشخاص وأفراد وجماعات عما تراكم في الذهن من أقوال متداولة على مقاس، إن أردنا العجلة قلنا خير البر عاجله، وإن أردنا المماطلة والتسويف قلنا كل تأخيرة فيها خيرة، لتبدو بالنهاية أن المسألة مزاجية خاضعة لأهواء الفرد وما يعتريها من تداخل وصراع داخلي.
يبدو أنه من الأفضل في هذا السياق أن يتحدث الناس عن عيوبهم وينتبهون إليها خير من التحدث عن عيوب الآخرين، فمأساة الحياة أننا نكبر بسرعة ونصبح حكماء بعد فوات الأوان.. وكما يقول وليام شكسبير: الإنسان يتغير لسببين، حينما يتعلم أكثر مما يريد.