الثورة – إيمان زرزور:
يمثل النقاب عند كثير من النساء في المجتمعات العربية والإسلامية خياراً نابعاً من قناعة دينية أو ثقافية، تُمارسه المرأة باعتباره تعبيراً عن الستر أو الالتزام الديني، وعلى الرغم من كونه خياراً شخصياً، إلا أن المرأة المنقبة لا تزال تواجه في بعض الأوساط الاجتماعية والمهنية تحديات قائمة على نظرة نمطية وأحكام مسبقة، خاصة في مجالات التعليم والعمل والحياة العامة.
ففي الوقت الذي ينظر فيه بعض أفراد المجتمع إلى النقاب بوصفه رمزاً للاحتشام والتدين، ترى فيه جهات أخرى مظهراً للانغلاق أو التشدد، هذه الازدواجية في التلقي تؤدي أحياناً إلى تعرض المرأة المنقبة لتعليقات جارحة، أو استغراب علني، أو حتى رفض صريح في المؤسسات التعليمية أو الأماكن العامة، وكأن تغطية وجهها تحرمها من حق التفاعل أو تقلل من قدرتها على النجاح.
لكن من الضروري التأكيد على أن النقاب لا يُعبّر عن مستوى وعي المرأة أو مهاراتها أو نواياها تجاه المجتمع، بل هو جزء من حرية اللباس التي تكفلها القوانين في الدول التي تحترم التعددية والحقوق الفردية، وتماماً كما يُحتَرم حق المرأة في خلع الحجاب، يجب احترام حقها في ارتداء النقاب طالما تم ذلك بإرادتها الحرة.
وتبرز التحديات بشكل خاص في الجامعات ومؤسسات التعليم، حيث تعاني بعض الطالبات المنقبات من مضايقات اجتماعية أو قيود إدارية تُفرض بدعوى “التواصل” أو “ضرورات الأمن”، غير أن هذه الذرائع لا تصمد أمام حقيقة أن النقاب لا يشكّل حاجزاً حقيقياً أمام التحصيل العلمي أو المشاركة الأكاديمية، إذا ما توافرت بيئة تعليمية قائمة على احترام التنوع وقبول الآخر.
فالمرأة المنقبة قادرة على الحوار، والمشاركة، والإبداع كغيرها، وهي تملك الحق الكامل في التعلم والمنافسة على أساس قدراتها لا مظهرها، أما في سوق العمل، فرغم وجود نساء منقبات يتمتعن بكفاءة عالية وخبرة مهنية، تُواجه بعضهن برفض توظيفهن بذريعة التأثير على “صورة المؤسسة” أو “صعوبة التواصل”.
تندرج هذه الممارسات ضمن التمييز المهني المرفوض، وتتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص الذي يجب أن يُبنى على الكفاءة والمعايير المهنية لا على المظهر الخارجي، فالمرأة المنقبة ليست هامشاً في مجتمعها، بل هي جزء أصيل من نسيجه، وطرف فاعل في بنائه، من حقها أن تختار لباسها دون إكراه، وأن تُعامل بكرامة في الجامعات، ومؤسسات الدولة، وسوق العمل، شأنها شأن غيرها من النساء.
ومما لاشك فيه أن احترام هذا الحق هو جزء من احترام التعدد، ورفض الوصاية، وبناء مجتمع لا يُصنّف الناس على أساس شكلهم، بل على فكرهم وسلوكهم وإسهامهم، وما تحتاجه المرأة المنقبة ليس إذناً بارتداء ما تشاء، بل اعتراف بحقها في أن تكون كما تشاء، دون أن يُنتقص من حقوقها، أو يُساء فهمها، أو يُعيق مسارها الاجتماعي والمهني.
وفي زمن تتعالى فيه الشعارات عن تمكين المرأة، لا يصح أن يُستثنى جزء منها فقط لأن لباسه لا يطابق صورة نمطية مفروضة، ولا يحق لأحد أن يُملي على المرأة كيف تظهر، ما دامت لم تتعدّ على أحد، ما نحتاجه هو بيئة آمنة لجميع النساء، باختلاف أشكالهن ومعتقداتهن، حيث تُقاس القيمة بالعلم والكفاءة، لا بالمظهر، فالنقاب لا يحجب العقل، ولا يغطي الطموح، ولا يقلل من الحقوق.
إن الدفاع عن حق المرأة المنقبة في العيش والعمل والتعلم بحرية، ليس دفاعاً عن فئة بعينها، بل هو دفاع عن فكرة المجتمع المنفتح، المتسامح، الذي يملك من الوعي ما يكفي ليحتضن التنوع لا أن يخشاه، مجتمع لا يقصي أحداً، بل يُنصت لكل الأصوات، ويفسح المجال لكل الطاقات، دون أن يضع مظهر الإنسان حاجزاً أمام مستقبله أو كرامته.