الثورة- منذر عيد:
لم تكن سوريا في يوم من الأيام في منأى، عن ارتدادات وتداعيات أي محاولة غربية في رسم خارطة المنطقة وفق ما ينسجم مع مصالحها ومشاريعها، لما تملكه من موقع جغرافي استراتيجي، تحول من نعمة إلى نقمة في كثير من الأحيان، كما أنها اليوم ليست في منأى أيضاً، مع فارق بين الأمس واليوم، هو أن القوى الغربية حريصة اليوم مع سقوط النظام السابق، واستلام إدارة جديدة، على أن تكون دمشق لاعباً أو طرفاً، أقله من خلال الحفاظ على أمنها وعدم تحولها إلى مركز تهديد لأمن المنطقة كما كانت سابقا، ومحاولتها استثمار موقع سوريا مع أصحاب الأرض، لا التفرد به بعيدا عن مصالح السوريين، والنظر في آمالهم وآلامهم.
يقول رئيس المبادرة السورية في معهد الشرق الأوسط تشارلس ليستر في تحليل سابق نشره موقع مركز المجلس الأطلسي في واشنطن: “على مدى ما يقرب من نصف قرن، كانت سوريا جرحاً مفتوحاً في قلب الشرق الأوسط، ومصدراً دائماً لعدم الاستقرار، تُغذّي الصراعات وتَقمع شعبها بوحشية”، ليختلف الأمر بعد الثامن من كانون الأول الماضي، ويؤكد ليستر أن التحول السوري يحمل بصيص أمل نحو شرق أوسط أكثر استقراراً.
اليوم ومع انتهاج الدبلوماسية السورية طريقا جديدا في العلاقات الدولية، وسعيها لأن تكون شريكا فاعلا في أحداث المنطقة، لا منفعلا فقط، دفع بدول الجوار وباقي الدول العالمية للنظر إلى سوريا بعين جديدة بخلاف ما كان سابقا، ولتؤكد أن أمن سوريا من أمن المنطقة، وهو ما أكده بالأمس وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، بقوله إن أمن سوريا واستقرارها يُشكل مصلحة استراتيجية للأردن، لاسيما في الجنوب السوري الذي اعتبره “العمق الحيوي للمملكة”، مشيرا إلى أن نجاح سوريا بتحقيق الأمن والاستقرار فيها يعني نجاح المنطقة برمتها، ليأخذنا ذلك إلى تأكيد الصحافي البريطاني باتريك سيل في كتابه “الصراع على سوريا” عام 1964 أن سوريا خريطة عربية تخص الإقليم العربي من دون سواه، أهمية موقعها يجعل استقلالها واستقرارها رقماً مهماً في منظومة الأمن القوى العربي؛ بل يقطع الطريق أمام مطامح ومطامع إقليمية ودولية.
الحرص الغربي على أمن سوريا، وضرورة الانتقال التام من حالة اللا استقرار والمحاور، إلى حالة الهدوء والأمن والعلاقات الجيدة مع الجميع، بدا جليا من خلال تجديد مجلس الشؤون الخارجية التابع للاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين الماضي، التزام الاتحاد الأوروبي بالوقوف إلى جانب الشعب السوري، ودعم انتقال سلمي وشامل بقيادة وملكية سوريّة، من أجل بناء مستقبل أفضل لجميع السوريين.
لقد بدأت سوريا بإدارتها الجديدة برسم معالم المستقبل، لتتمكن وفي فترة زمنية قصيرة جدا من الانتقال من حالة المنفعل إلى الفاعل، وفرض سياسة جديدة مبدأها الانتقال من الصراع على الجغرافيا السورية إلى تحويلها أداة نهوض للشعب السوري واقتصاد البلاد.
