الثورة – فؤاد العجيلي:
تعيش صناعة الأحذية في حلب واحدة من أصعب أزماتها منذ عقود، إذ يواجه هذا القطاع العريق خطر التوقف الكامل عن الإنتاج، في ظل منافسة غير متكافئة مع البضائع المستوردة، ولاسيما الأحذية الصينية التي غزت الأسواق المحلية بأسعار منخفضة، جعلت آلاف الورش والمعامل عاجزة عن مجاراتها.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من خمسة آلاف ورشة ومنشأة مهددة بالإغلاق، ما يعني فقدان نحو مئة وخمسين ألف عامل لوظائفهم ومصادر رزقهم، في ضربة قاسية لسوق العمل المحلي وللاقتصاد الحلبي الذي طالما عُرف بتميزه في الصناعات الجلدية.
استجابة غائبة
وفي مشهد احتجاجي، تجمع مئات العمال وأصحاب الورش في منطقتي الصالحين والمقامات، رافعين أصواتهم بمطالب عاجلة لإنقاذ مهنتهم، ومؤكدين أن الاستمرار على هذا النحو يعني طي صفحة صناعة ارتبطت بتاريخ حلب وهويتها الاقتصادية، هذا الحراك الميداني جاء بعد سلسلة طويلة من المخاطبات الرسمية واللقاءات مع ممثلين حكوميين، كما يؤكد رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الأحذية والجلديات في حلب حسن كناس، الذي أوضح في حديثه لـ”الثورة” أن الجمعية رفعت عدة كتب إلى الجهات المعنية، وعقدت اجتماعات في غرفة الصناعة، لكن الاستجابة على الأرض ما زالت غائبة، ما يفاقم شعور الحرفيين بأن قضيتهم لا تحظى بالأولوية المطلوبة.
ويشرح كناس أن أسباب الأزمة متشابكة، تبدأ من ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة أسعار المواد الأولية ورسومها الجمركية، مروراً بارتفاع تعرفة الكهرباء وعدم توفرها بشكل منتظم بأسعار مناسبة للمنشآت الصغيرة، وصولًا إلى ضعف الإجراءات الرقابية على المنافذ الحدودية التي تسمح بدخول أحذية مهربة تغرق السوق بأسعار تقل كثيراً عن تكلفة الإنتاج المحلي.
تخفيف العبء
ويرى أن الحل يكمن في إلغاء الرسوم على المواد الأولية لتخفيف العبء عن الورش، وفرض رسوم أعلى على الأحذية المستوردة الجاهزة لحماية المنتج الوطني، إلى جانب توفير الطاقة بأسعار مخفضة، وتشديد الرقابة على المنافذ لمنع دخول البضائع المهربة.
ورغم أن هذه المطالب تبدو واضحة ومنطقية بالنسبة للعاملين في القطاع، فإن غياب الرد الرسمي يثير الكثير من التساؤلات، خصوصاً أن صحيفة “الثورة” سبق وأن تناولت هذه الأزمة في أكثر من تقرير خلال الأشهر الأخيرة، وحذرت من تداعياتها، كما في تقاريرها التي حملت عناوين: “مُهَدّدة بالإغلاق.. أكثر من 3000 ورشة ومئات معامل صناعة الأحذية في حلب”، و”صناعيون وحرفيون لـ’الثورة’: الاستيراد يهدد أكثر من 1400 منشأة وورشة لصناعة الأحذية والتريكو في حلب”، وعلى الرغم من كل هذه التحذيرات المتكررة، ظل الصمت الحكومي سيد الموقف، لتبقى صناعة الأحذية في حلب واقفة على حافة الاندثار، في انتظار قرار قد يأتي أو لا يأتي، بينما تتسارع خطوات الزمن نحو إغلاق أبوابها إلى غير رجعة.