“هذا البحر لي”.. رحلة إلى الموت أو الحياة

الثورة – فؤاد مسعد:

بدت رهبة البحر منذ اللقطة الأولى في فيلم يشي عنوانه بمضمونه “هذا البحر لي”، سيناريو وإخراج محمود حسن، قدم فيه ستة نماذج لأشخاص قرروا خوض عباب موج البحر في رحلة نتيجتها أحد احتمالين، إما الموت غرقاً، أو النجاة والعيش في المكان الذي يرون فيه خلاصهم، هي تجربة تحمل في عمقها الكثير من القهر المؤلم لأشخاص وصلوا حد المغامرة بعائلاتهم بحثاً عن وطن.

حكايات امتدت لساعتين من الزمن “مدة الفيلم” وصفت أدق التفاصيل، حتى باتت كل كلمة أشبه بوخذة توجع القلب والوجدان، أما التصوير فتم في أكثر من بلد، بما فيها سوريا، إذ بدأت الحكاية من الموت المجاني والدمار، “عندما ينسحب حاجز من المنطقة فاعلم أن الطيران آتٍ لضربها”، هي واحدة من العبارات التي عبّرت عن مقدار الرعب الذي كان يجثو على الصدور.

وفي المشاهد التوثيقية حرص المخرج على إظهار حجم الكارثة وما يصيب الناس من أذى وموت وإعاقة، وما عزز هذه الحالة مشاهد القتل بدم بارد، حيث نتابع سقوط القذيفة من الطائرة إلى الأرض مُحدثة انفجاراً عنيفاً، ذلك كله أتى للإجابة عن سؤال “لماذا فضل كثيرون الذهاب في رحلة الموت عبر البحر عوضاً من البقاء؟”.

“وقت الوطن مو إلي بصير البحر إلي”، هي واحدة من العبارات الكثيرة التي وردت على لسان الأشخاص الحقيقيين “أصحاب الحكاية”، إذ روى كل منهم الأهوال التي عاشوها في السفر، وصعوبة طريق التهريب في أكثر من بلد، وما تعرضوا له خلال الرحلة، بما في ذلك الإهانة والذل والاغتصاب والجوع والحرمان، وتعطل المركب وسط البحر وانقلابه، وكيف تم التعاطي معهم بداية ثم محاولات إنقاذهم، والمصيبة أنه من بين نحو خمسمئة شخص خرج منهم أحياء ما يقارب 180 فرداً.

ولعل القصة الأقسى كانت لرجل رفض السفر، إلا أن إصرار أولاده جعله يلبي رغبتهم، وعندما خاضوا غمار رحلة الموت، فقد طفليه الصغيرين، ولم يجد أسماءهما لا بين الأموات ولا بين الأحياء، ووجه ضمن الفيلم رسالة لولديه أنه لا يزال في انتظارهم.

أتت الكاميرا مقتحمة منذ البداية في مشاهد البحر والداخل السوري، واختلف إيقاعها خلال الحوارات التي جاءت مع الناجين، تارة رصدت كلامهم وانفعالاتهم المؤثرة خلال الحديث، وتارة أخرى جاء كلامهم فيها على خلفيات متعددة بما فيها سيرهم ضمن مناطق متنوعة أو تأملهم في البحر، أو جلوسهم في الحديقة.

كانت محاولة حثيثة لنبش الذكريات بكامل مشاعرها، وعلى الرغم من طول الفيلم إلا أن ذلك لم يؤثر على حالة التلقي، لأن الإحساس واحد خاصة في لحظات اكتشاف الأهل من بقي حياً ومن فُقِد، وما عزز ذلك كله حرص المخرج على تذكيرنا بالوجع من خلال شابة عبّرت بالرسم عن أفكار تحاصر العقل أمام رحلة الموت، وفي كل مرة نتابعها ترسم لوحة جديدة.

“هذا البحر لي” الذي حاكى صوت الضمير، سبق وحاز جائزة أفضل فيلم وثائقي في “مهرجان كوتكا لحقوق الإنسان” 2024 في فنلندا.

 

آخر الأخبار
5 آلاف سلة غذائية وزّعها "الهلال  الأحمر" في القنيطرة آليات لتسهيل حركة السياحة بين الأردن وسوريا دمج الضباط المنشقين.. كيف تترجم الحكومة خطاب المصالحة إلى سياسات فعلية؟  قمة المناخ بين رمزية الفرات والأمازون.. ريف دمشق من تطوير البنية الصحية إلى تأهيل المدارس   زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن.. تفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي     تحسن ملحوظ في سوق قطع غيار السيارات بعد التحرير  "إكثار البذار " : تأمين بذار قمح عالي الجودة استعداداً للموسم الزراعي  دمشق تعلن انطلاق "العصر السوري الجديد"   من رماد الحرب إلى الأمل الأخضر.. سوريا تعود إلى العالم من بوابة المناخ   الطفل العنيد.. كيف نواجه تحدياته ونخففها؟   الجمال.. من الذوق الطبيعي إلى الهوس الاصطناعي   "الطباخ الصغير" .. لتعزيز جودة الوقت مع الأطفال   المغتربون السوريون يسجلون نجاحات في ألمانيا   تامر غزال.. أول سوري يترشح لبرلمان آوغسبورغ لاند محاور لإصلاح التعليم الطبي السوري محافظ حلب يبحث مع وفد ألماني دعم مشاريع التعافي المبكر والتنمية ابن مدينة حلب مرشحاً عن حزب الخضر الألماني خاص لـ "الثورة": السوري تامر غزال يكتب التاريخ في بافاريا.. "أنا الحلبي وابنكم في المغترب" سوريا تفتح نوافذ التعاون العربي عبر "معرض النسيج الدولي 2026"  رفع العقوبات إنجاز دبلوماسي يعيد لسوريا مكانتها ودورها الإقليمي