أوديت الديب تنحت حزنها كنداء استغاثة

الثورة – سهيلة علي إسماعيل:

نهضت النحاتة أوديت الديب “الأم” من حزنها وألمها الكبيرين، كما ينهض طائر الفينيق، فحلّقت في عالم فن النحت، وحوّلت كل دمعة أُريقت من عينيها، وكل لحظة حزن، وكل آه موجعة بعد فقدها ابنها إبراهيم سعد “بوب”، خلال الأحداث في محافظة حمص، إلى منحوتة فنية جميلة، وضعت فيها مشاعرها وآهاتها لتقيم معرضاً فنياً كل عام في ذكرى ميلاده في العاشر من أيلول.

فكانت إرادتها صلبة كصلابة صخر تجعله بقوتها مطواعاً بين يديها، فهي- وكما تقول: “ستلد فلذة كبدها مرات ومرات بالطين، والكلمة، وبالريشة واللون، وبهذه الطريقة لن يموت بل سيبقى حاضراً في كل تفصيل من تفاصيل أعمال فنية تجسد الإبداع في أجمل صوره”.

كما يُجمع كل من زار معرضها الثاني عشر المقام مؤخراً في مرمريتا التي تترأس مركزها الثقافي، فهي ابنة تلك البلدة الشامخة بين الجبال في وادي النضارة بريف حمص الغربي، وقد تضمن المعرض ٢٥ منحوتة فنية وبقي لمدة أسبوع.

منحوتات تحاكي الطبيعة والإنسان

تقول النحاتة الديب: إن موضوعات المنحوتات تتنوع بين الإنسان والطبيعة، وأميل إلى التجريدي في العمل النحتي، لأنه قادر على عكس المشاعر الإنسانية العميقة كالألم وتجسيد الصمت، وفي أحيان أخرى استلهم من عناصر الطبيعة كالطيور والسمك لما تحمله من رموز الحريّة والتجدّد والاستمرار، في البداية كانت التجربة أقرب إلى البحث والتجريب، وكنت أتعلم كيف أتعامل مع طبيعة الحجر وأفهم خصوصية المادة.

اليوم وبعد سنوات من العمل المتواصل، باتت المنحوتات أكثر نضجاً من الناحية التقنية والفكرية، وصارت الفكرة أكثر وضوحاً وانسجاماً مع الشكل.

وعن المادة المستخدمة في الأعمال النحتية تضيف الديب: أستخدم حجر الأونيكس الموجود في مقلع بمنطقة الوادي، وأضع أحياناً تصوراً مسبقاً للعمل عندما أرى شكل الصخرة وطبيعتها، وفي أثناء العمل قد أغيّر الفكرة، وتقودني إلى منحى آخر، فيخرج العمل الفني بطريقة عفوية تحاكي ما أحس به من مشاعر وأنا أنحت الصخر الأصم، ليصبح منحوتة تحاكي أجمل القيم الإنسانية الفطرية الموجودة فينا، وهي الجمال والحب.

النحت رسالة المشاعر

وعن الرسالة التي تود إيصالها للمتلقي تضيف الديب قائلة: أطمح أن تلامس منحوتاتي جوهر الإنسان، أن توقظ إحساسه بالجمال، وتدعوه للتأمل في مشاعره وقيمه الإنسانية، والقدرة على النهوض من جديد رغم الانكسارات، فالفن مواساة وغسل لأرواح كسرتها الحياة.

كتبت الديب في بطاقة الدعوة الموجهة لحضور المعرض: “الفن لم يكن هواية، كان صلاةً، ونداء استغاثة، وكان قبل كل شيء، طريقتي الوحيدة لأقول: “أنا ما زلت هنا وابني أيضاً.

“على مدار السنوات الماضية، حملت الحجر بيدي وقلبي، ونحتُّ منه ذاكرةً وخلوداً له، كل عمل فنّي هو شهادة حبّ، كل منحوتة هي صرخة ضد الغياب، وكل معرض هو رسالة أن الموت لا يقطع الحبل السري بين الأم وابنها.”

شهادة صادقة

قال الشاعر علاء الدين عبدو المولى عن معرض سابق للنحاتة أوديت: “كل منحوتةٍ منكِ نداءٌ، كلّ تفصيلٍ في العينين ذكرى. كلّ انحناءٍ في الكتف لحظةُ ضحكةٍ لم تمت.. حتى الغبارُ الذي يعلو يديك ليس غبارَ حربٍ بل بقايا أجنحةٍ كنتِ تُعيدين تشكيلها، أجنحة تتجدد كل سنة على كتفي برهوم ليتابع تحليقه في قلبكِ، في قلوبنا، في قلب الربّ.

الموتُ ظنَّ أنه انتصر، لكنّه لم يعرف أنّكِ أُمٌّ، والنّساءُ اللواتي يلدنَ أبناءً للسماءِ لا يستسلمنَ للأرض، فحوّلتِ المأساةَ إلى معرضٍ، والصمتَ إلى صرخةٍ، والدموع إلى رخامٍ يُعانقُ الشمس.

في كلّ حجرٍ تنحتينَه يعودُ برهومُ طفلاً، يعودُ حلماً، يعودُ سؤالاً أو جواباً، يَعودُ لأنّكِ قرّرتِ أنّ الأسماءَ التي تحبّينَها، لا تُدفن بل تُعرَض في ساعة قيامة الروح.

في كلّ زاوية، في كلّ منحنى، في كلّ شرخٍ مملوءٍ بالنور، سيُحيّي الزائرينَ بصمتِه، وسيهمسُ لكلّ أمٍّ:

“لا تنحني، انحتي، لا تموتي، اصنعي، لا تبكي.. اخلقي”.

آخر الأخبار
محاور لإصلاح التعليم الطبي السوري محافظ حلب يبحث مع وفد ألماني دعم مشاريع التعافي المبكر والتنمية ابن مدينة حلب مرشحاً عن حزب الخضر الألماني خاص لـ "الثورة": السوري تامر غزال يكتب التاريخ في بافاريا.. "أنا الحلبي وابنكم في المغترب" سوريا تفتح نوافذ التعاون العربي عبر "معرض النسيج الدولي 2026"  رفع العقوبات إنجاز دبلوماسي يعيد لسوريا مكانتها ودورها الإقليمي دعماً للإعمار.. نقابة المهندسين تؤجل زيادة تكاليف البناء من التهميش إلى التأثير.. الدبلوماسية السورية تنتصر  متبرع يقدم جهازي "حاقن آلي" وتنفس اصطناعي لمستشفى الصنمين بدرعا  حملة شاملة لترحيل القمامة من مكب "عين العصافير"  بحلب بين دعم واشنطن وامتناع بكين.. الرحلة الاستراتيجية لسوريا بعد القرار "2799" ما بعد القرار "2799".. كيف قلب "مجلس الأمن" صفحة علاقة العالم مع سوريا؟  خبير اقتصادي ينبه من تداعيات التّحول إلى "الريعية"  قرار مجلس الأمن وفتح أبواب "البيت الأبيض".. تحول استراتيجي في الدبلوماسية السورية  كيف حول الرئيس الشرع رؤية واشنطن من فرض العقوبات إلى المطالبة برفعها؟ ٥ آلاف ميغا واط كهرباء تعزز الإنتاج وتحفز النمو  المعرض الدولي لقطع غيار السيارات.. رسالة نحو المنافسة باستخدام أحدث التقنيات   "صحة وضحكة" .. مبادرة توعوية لتعزيز النظافة الشخصية عند الأطفال من رماد الصراع إلى أفق المناخ.. فلسفة العودة السورية للمحافل الدولية  إنجاز دبلوماسي جديد لسوريا في مجلس الأمن