الثورة – حسين روماني:
زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى نيويورك لم تكن مجرد محطة بروتوكولية، بل لحظة رمزية كبرى، لحظة تقول للعالم: إن سوريا ليست بلد الحروب وحدها، بل وطن الحضارة والذاكرة، وطن الناس الذين يحملون في قلوبهم روايات لم تُروَ بعد، وهي نداء إلى السوريين في الخارج أنتم سفراء وطنكم أينما كنتم.
مرآة تعكس صورة الوطن
المغتربون السوريون في أوروبا وأميركا ليسوا مجرد أفراد يعيشون بعيداً عن بلدهم، بل هم مرآة تعكس صورة سوريا أمام المجتمعات، في الجامعات، في الأعمال، في الفنون، وفي العلاقات اليومية، كل كلمة وكل مبادرة تحمل ملامح وطن بأكمله.
الوطن لا يُختزل في حدود جغرافيّة، بل يظل حكاية شخصية تلازم أبناءه أينما رحلوا، الانتماء ليس شعاراً بل فعل يومي، فيمن يعلّم أبناءه اللغة العربية في المهجر، من يفتح بيته للموسيقا السورية في مدينة غربية، وغير ذلك… هؤلاء جميعاً يحرسون ذاكرة البلاد من النسيان، ويمنحونها حياة متجددة خارج حدودها.
إبداع في المهجر
الإنسان السوري أثبت أينما حلّ أنه يحمل معه طاقة لا تنطفئ، في الجامعات الغربية هناك أساتذة وباحثون يساهمون في اكتشافات علمية مهمة، وفي المستشفيات أطباء يحققون نجاحات لافتة، وفي الفنون فنانون يتركون بصمة واضحة على خشبات المسارح وصالات العرض، هذا الحضور لم يقتصر على المشاركة فحسب، بل تحوّل في أحيان كثيرة إلى ريادة طاغية لفتت أنظار المجتمعات المضيفة.
لكن خلف هذه النجاحات، هناك حنين لا يهدأ، حنينٌ يربط المبدعين السوريين بأرضهم الأولى، يجعلهم يبحثون عن أي وسيلة للمساهمة في بنائها من جديد، وعن أي فرصة لردّ الجميل لأبناء وطنهم، لذلك نرى الكثير منهم يطلقون مبادرات تعليمية وثقافية، أو يقدمون الدعم للطلاب السوريين الجدد في بلاد الاغتراب، وكأنهم يقولون: الانتماء ثقافة حيّة لا تنقطع مهما ابتعدنا.
صوت من النروج
الدكتور فادي حسن، المقيم في النروج، يشارك رؤيته لـ”الثورة” عبر “الماسنجر” قائلاً: “الغرب غالباً ما يرى سوريا من خلال صور الدمار واللجوء، لكن الحقيقة غير ذلك بكثير هي بلد غني بالتنوع والثقافة والتاريخ، واجبنا نحن أبناء الجالية أن نغير هذه الصورة، لا بالكلام فقط بل بالمبادرات العملية، عندما يروننا ننتج ونبدع ونشارك، تتغير النظرة إلى سوريا، ويصبح صوتنا أصدق وأقوى.
السفير لا يحتاج بالضرورة إلى مبنى أو مكتب، كل سوري في الخارج قادر أن يكون سفارة بلا جدران، يروي عن دمشق وحلب وحمص والسويداء واللاذقية، لا بوصفها ساحات حرب فقط، بل باعتبارها ذاكرة ثقافية وموسيقية وإنسانية، هذه “السفارات الصغيرة” الموزعة في العالم قد تكون ذات تأثير كبير، لأنها صادرة من القلب وتحمل صدق التجربة.
ختام بلون الثقافة
ما حدث وسيحدث في نيويورك قد يبدو حدثاً سياسياً، لكنه في جوهره لحظة ثقافية وإنسانية وسياسية.. سوريا ستُبنى من الداخل، لكنها ستتجدد أيضاً عبر جالياتها المنتشرة في العالم، كل فرد قادر أن يروي حكاية وطنه بطريقته، أن يعكس وجهه الحضاري، أن يضيف لبنة صغيرة في بناء المستقبل، وحين يتلاقى الإبداع في الخارج مع الحنين إلى الداخل، تتشكل صورة وطنٍ حيّ، ينهض من جديد بفضل محبة أبنائه وانتمائهم الصادق.