“نحاتو الغد”.. لمسات تعانق الحرية في كلية الفنون الجميلة

الثورة – رانيا حكمت صقر:

 

حين يتحوّل الحجر إلى بوح، والطين إلى حكاية، يطلّ فن النحت كأنه مرآة الروح وصدى الواقع، هكذا افتتحت كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق معرض “نحاتو الغد” في نسخته الثانية، ليكشف عن ثلاثين عملاً طلابياً تنبض بالحرية وتلامس جراح السوريين وأحلامهم في آن واحد، في بهو الكلية الذي اعتاد أن يحتضن التجارب الأولى، اجتمع الزوار والأساتذة والطلاب ليعاينوا نتاج تخرج دورة أيلول 2025 لقسم النحت، تحوّل المكان إلى فسحة للحوار بين الفن والواقع، وبين الكتلة الجامدة والروح الباحثة عن المعنى.

زيارة رئيس جامعة دمشق الأستاذ الدكتور مصطفى صائم الدهر كان لها وقع خاص، وأمام أحد المشاريع تحدث لـ”الثورة”: كلية الفنون الجميلة لها نكهة خاصة وميزة متفردة، فهي واحدة من الصروح العريقة التي مرّت عليها أسماء كبيرة من الفنانين السوريين بين أساتذتها وخريجيها، ولا تزال تواصل رسالتها في صنع الجمال والفكر، المشاريع التي رأيناها اليوم عكست ارتباطاً وثيقاً بالواقع السوري، صرخت عن الثورة وعن المغيبين ومعاناة السجناء والمعتقلين، لقد قدّم الطلاب أفكاراً معاصرة تعكس وعياً وحساسية، ومجال الحرية الفكرية والأكاديمية المفتوح اليوم يتيح لهذا الفن أن يخدم المجتمع أكثر من أي وقت مضى.

 

رئيس قسم النحت الدكتورة بتول خواندة، وصفت المعرض أنه تظاهرة فنية تمتد ثلاثة أيام، قدّم ثلاثون طالباً وطالبة ثلاثين عملاً متنوعاً، تميّز كل منهم بانتقاء موضوعه وتقنياته وخاماته وطريقة عرضه الخاصة، ما يميز هذه الدورة أن الطالب أمضى ثمانية أسابيع يطوّر فكرته ويصوغها كما يريد بكل التفاصيل حتى إنجازها لتصبح حقيقة، ما أتاح تنوعاً لافتاً وغنى في الرؤى، هذا المعرض الجماعي يختتم مسيرة التخرج، لكنه أيضاً مساحة لعرض نتاج السنوات الانتقالية، إذ شارك الطلاب في ورش عمل دعمت خبراتهم وشجعت طلاب السنوات الأولى على التفاعل والتعلّم، طلابنا يستحقون كل ما بُذل من أجلهم، فهم مؤدبون ومجتهدون ويمثلون الجيل القادم من النحاتين السوريين.

بدت على أرض المعرض الأعمال كأنها تحاور الزوار بلغات متعددة، خريج قسم النحت الطالب ماهر سعود، قدّم مشروعه الذي حمل عنوان “من إلى عن على”، فشرح عنه بالقول: هي تجربة نحتية مسرحية تداخلت فيها الكتلة– بوصفها أساس النحت– مع الدراما– بوصفها جوهر المسرح، حاولت أن أجسّد المراحل الخمس للحزن: الإنكار، الغضب، الاكتئاب، المساومة، والتقبّل، طرحت السؤال: ماذا لو كانت هذه المشاعر شخوصاً على خشبة مسرح؟ تتكرر في حلقة لا تنتهي، الكتل المتوزعة تجسّد كمّية المشاعر، فيما الخط الأحمر يرمز إلى فعل متصل يتوسط المشهد ويقود الحوار بين الحزن والفعل المسرحي.

في زاوية أخرى، وقفت الطالبة سارة علاء الدين عابدين أمام عملها “عصفور”، حيث التمثالان- الأم والطفل- يحكيان بصمت ما يعجز الكلام عن قوله: مشروعي مستوحى من قصة المعتقل السابق ميشيل كيلو، حين حكى عن طفل لم يعرف العصافير يوماً لأنه وُلد في المعتقل.. القصة تبدأ بعبارة “كان في عصفور” وتنتهي بالسؤال الموجع “شو يعني عصفور؟”.

وبينت أنها استوحت من هذه الرمزية عملاً يجسّد الأطفال الذين كبروا داخل أسوار السجون، لا يعرفون معنى الحرية، ولا يتذوقون جمال الطبيعة، حاولت أن أجعل النحت هنا شهادة على غياب الطفولة، وعلى صمود الأمل رغم كل شيء.

وعلى الرغم من أن المعرض يركز على خريجي السنة الرابعة، إلا أن حضوره اتسع ليشمل طلاب السنوات الأخرى أيضاً.. الطالبة مارلا دولي من السنة الثانية، تحدثت عن تجربتها مع “نحاتو الغد” قائلة: هذا المشروع بدأ العام الماضي ليعرض أعمال الطلاب خلال مسيرتهم الدراسية، والغاية منه أن نشعر بالحافز ونقدّم شيئاً يليق بجهودنا، الفكرة تقوم على تشجيع الطالب ليعمل أكثر ويثق بنتاجه، إذ إن المشاريع التي ننجزها داخل القاعات تتحوّل هنا إلى تجربة علنية يتشاركها الجميع، شاركت مع زملائي بعمل مستوحى من شخصية أخناتون، قمنا بتحويره وسحب نسخة ورقية عنه، كما خضنا خلال العام ورشات متنوّعة تعاملنا فيها مع مواد بسيطة كالورق والبلاستيك والتنك، محاولين أن ندرّب أيدينا على فهم الكتلة والفراغ قبل التعمّق أكثر في التقانات النحتية المتقدمة.

هكذا بدا “نحاتو الغد” أكثر من معرض تخرّج، بل مساحة فنية تلتقي فيها التجارب، يتجاور فيها الحلم الشخصي مع الهمّ الجماعي، فالأعمال- وإن اختلفت في تقنياتها وموضوعاتها، تشترك جميعاً في سعيها إلى أن تقول شيئاً عن هذا الزمن، عن الحرية التي تتشكل من جديد، وعن الذاكرة التي يحفظها الفن كما تحفظها الكلمات، وبين جدران الكلية العريقة، إذ عبرت أسماء كبيرة من تاريخ الفن السوري، أعلن المعرض أن جيلاً جديداً يكتب فصله الخاص، جيلاً يعرف أن النحت ليس حجراً فحسب، بل حياة تتشكل في الفراغات، وصوتاً يصغي إليه المستقبل.

آخر الأخبار
عجلة ألعاب أهلي حلب تسير بخطا واثقة ومدروسة البلوز والليفر لثمن نهائي كأس الرابطة خسارة ثانية قاسية لسلتنا الناشئة آسيوياً من شوارع التاريخ إلى آفاق السلام.. ماراثون دمشق (2025) رسالة وطن الدراجات تستعد للبطولة العربية  مكافأة ثمينة للاعبي كايرات إذا نجحوا في إسقاط الريال عطلة وطنية ببوتسوانا بعد الفوز بذهبية خط نقل جديد في اللاذقية عصام الغريواتي: لقاؤنا مع الرئيس الشرع مثمر وإيجابي "المالية": القانون الجديد.. لا ضرائب على المواد الغذائية الأساسية العقول البشرية في الخارج مفتاح استراتيجي لبناء سوريا تعزيز التواصل مع الهيئات العلمية لدعم العلوم الحيوية والطبية أزمة مياه حادة في الهرقل وقرى أخرى بريف حمص مدارس الحراك بدرعا تفتقر للمقاعد والكتب قطر تجدد دعوتها المجتمع الدولي لدعم سوريا ورفع العقوبات رؤى ومقترحات لتطوير الواقع الاقتصادي والاستثماري بدرعا مزود بـ 21 حاضنة.. قسم للحواضن في مستشفى منبج الوطني تغيير جذري في آلية امتحانات شهادة المحاسب القانوني بين البريد وأجهزة الصراف الآلي.. معاناة شهرية مستمرة تلاحق المتقاعدين 324 مقسماً صناعياً جديداً في "الشيخ نجار الصناعية"