الثورة – إيمان زرزور:
شُغلت وسائل الإعلام العربية والأجنبية، بخبر يعتبر تطوراً قضائياً بارزاً يثير جدلاً واسعاً في فرنسا وسوريا على السواء، إذ داهمت الشرطة الفرنسية مقر منظمة «إس أو إس – مسيحيو الشرق» وعدة مواقع أخرى، ضمن تحقيق مستمر منذ أواخر عام 2020 بشأن شبهات «التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتُكبت في سوريا».
النيابة العامة الفرنسية المختصة بمكافحة الإرهاب أكدت، في بيان السبت، تنفيذ عمليات دهم واسعة استهدفت مقار منظمات، من بينها منظمة «إس أو إس – مسيحيو الشرق»، إضافة إلى شركات ومنازل أفراد، إلى جانب جلسات استماع لشهود ومشتبه بهم. وأوضحت أن التحقيق يتولاه المكتب المركزي لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب (OCLCH).
رئيس المنظمة، شارل دو ميير، أقرّ بتنفيذ عمليات التفتيش التي طالت جهاز الكومبيوتر الخاص به، مؤكداً أنه خضع لجلسة استماع رسمية، وبحسب إذاعة «فرانس إنفو»، استمرت عمليات تفتيش مكاتب الجمعية في مدينة بولون بيانكور قرب باريس ثلاثة أيام متواصلة، كما شملت المداهمات مكاتب المنظمة في باريس و«كوربفوا» بضواحي العاصمة، إضافة إلى شركتين في منطقة «إيل إي فيلان» شمال غرب فرنسا ومقر في «إيسون» قرب باريس.
موقع «ميديابار» وإذاعة «فرانس إنفو» كشفا أن التحقيق يهدف إلى تحديد ما إذا كانت المنظمة غير الحكومية قد حولت جزءاً من أموال التبرعات إلى «قوات الدفاع الوطني»، وهي فصائل موالية للمخلوع بشار الأسد تتهمها منظمات سورية بارتكاب انتهاكات جسيمة من بينها نهب قرى وقصف مدنيين وتجنيد أطفال للقتال خلال سنوات الحرب في سوريا.
ورغم هذه الاتهامات، كانت نفت المنظمة منذ نشر «ميديابار» تحقيقه مطلع عام 2022 أي تورط لها في جرائم، مؤكدة أنها «لم تشارك في أي أعمال مخالفة للقانون على الإطلاق».
تقول المنظمة: إنها تقدم الدعم للمسيحيين ضحايا الاضطهاد العنيف في الشرق الأوسط، خصوصاً على أيدي تنظيم الدولة، لكن بعض مسؤوليها وُجهت إليهم اتهامات متكررة بـ«التساهل» مع النظام السوري السابق، ما زاد من الجدل حول نشاطها ومصادر تمويلها.
وتُظهر تحقيقات «ميديابار» و«فرانس إنفو» أن المنظمة قدمت مساعدات وعتاداً إلى ميليشيات الدفاع الوطني في محردة بحماة، وأن هذه الميليشيات متهمة بجرائم حرب، في حين تتباهى المنظمة على موقعها بأنها «جمعية ذات مصلحة عامة غير سياسية» تعمل في قلب مناطق الكوارث منذ عام 2013.
التحقيق أشار أيضاً إلى روابط مؤسسي الجمعية شارل دو ميير وبنجامين بلانشار مع النائب الفرنسي اليميني المتطرف جاك بومبار رئيس بلدية أورانج، وعرض صوراً لهم يحملون بنادق كلاشينكوف في سوريا، كما تضم الجمعية شخصيات مثيرة للجدل مثل فرانسوا غزافيي جيكيل الذي أُجبر على الاستقالة من «الجبهة الوطنية» بعد تحية نازية عام 2012.
ما يثير الدهشة -بحسب «ميديابار»- أن هذه الروابط الوثيقة مع ميليشيات نظام الأسد البائد لم تمنع فرنسا، التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق منذ عام 2012، من منح المنظمة عام 2017 صفة «شريك في الدفاع الوطني»، وهو وضع يمنحها شهادة احترام ويتيح لها الحصول على دعم الجيش الفرنسي لإرسال معدات طبية إلى سوريا.
التحقيق الفرنسي المستمر منذ نحو أربع سنوات يطرح أسئلة حادة حول الرقابة على عمل المنظمات غير الحكومية في مناطق النزاعات، ومدى التزامها بالحياد الإنساني والشفافية في إدارة أموال التبرعات، كما يعكس جدية السلطات الفرنسية في تتبع شبهات تمويل جماعات مسلّحة متهمة بارتكاب جرائم حرب، في خطوة يترقب نتائجها كثيرون داخل فرنسا وخارجها، لما لها من أثر على صورة العمل الإنساني وأدوات النفوذ السياسي في الشرق الأوسط.