الثورة- أحمد صلال – باريس:
“ليالٍ هندية”.. عمل روائي يدعونا إلى رحلة داخل الذات، تتقاطع الأسئلة حول الزمن، الذاكرة، والمصادفة، إذ يبدو أن حكاية رجل أوروبي يتنقل بين المدن الهندية بحثاً عن صديقه المفقود تتحول تدريجياً إلى تجربة وجودية عميقة، يمزج كاتبها الإيطالي “أنطونيو تابوكي” بين تيه السفر وغموض الهوية، ويخلق توازناً بين الواقعي والمتخيل، ما دفع النقاد إلى تشبيه العمل بمتاهة “بورخيسية” تسكنها ظلال “كافكا” ونَفَس الرواية البوليسية، لكن بروح شاعرية آسرة تخص تابوكي وحده.
صدرت رواية “ليالٍ هندية” عن دار جدار للثقافة والنشر في الإسكندرية – مالمو، بترجمة الأديب السوري معن مصطفى الحسون، ضمن مشروع دار جدار لنشر الأدب العربي والعالمي بصيغته الورقية والرقمية.
وتُعد الرواية من أبرز النصوص الأوروبية التي تناولت الرحلة بوصفها بحثاً وجودياً أكثر من كونها انتقالاً جغرافياً، منذ صدورها عام 1984 عن دار سيليريو في باليرمو، وإن لقاءها احتفاءً نقدياً جعلها تُترجم إلى لغات عديدة وتدخل بسرعة في صميم الكلاسيكيات الحديثة.
آراء وأصداء
كتب أحد النقاد الفرنسيين: “ليالٍ هندية نص قصير لكنه يفتح على لا نهائية من التأويلات، كل فصل فيه أشبه بمرآة تعكس وجوهاً متغيرة للقارئ نفسه”، فيما اعتبره آخرون “أيقونة صغيرة للرواية الأوروبية المعاصرة”، لأنها تختزل في أقل من مئة صفحة خبرة ثقافية وفلسفية كثيفة.
كما رأت صحيفة “إل كورّييري ديلا سيرا” أنّ تابوكي “يُعيد تعريف أدب الرحلة من الداخل، فيحوّله إلى تجربة ميتافيزيقية لا تنسى”، بينما وصفت صحيفة لوموند الترجمة الفرنسية بأنها “بوابة فتحت للأدب الأوروبي على أصوات الهند المضمّخة بالأسطورة والتاريخ”.
اليوم، وبعد مرور عقود، لا تزال الرواية تُقرأ بنفس الدهشة الأولى، وتُستعاد كنص جسّد معنى السفر بوصفه مرآة للمنفى الإنساني. “ليالٍ هندية” رواية صغيرة الحجم، لكنها كبيرة الأثر، تأخذ القارئ إلى أماكن بعيدة، ثم تُعيده في النهاية إلى أعماق ذاته.
الجدير ذكره أن دار جدار تعتمد آلية نشر مزدوجة ومبتكرة في العالم العربي، من خلال توزيع نسخ رقمية مجانية من إصداراتها مطابقة للنسخ الورقية، والمتاحة عبر منصة لولو بريس للطباعة عند الطلب.
بطاقة تعريفية
“أنطونيو تابوكي” روائي إيطالي “1943- 1998″، اشتهر بأسلوبه الشفيف الذي يمزج بين التأمل الفلسفي والرحلة الأدبية، صدرت له أعمالاً مترجمة إلى العديد من اللغات، ويُعد “ليالٍ هندية” أحد أبرز نصوصه التي أثرت في الأدب الأوروبي المعاصر.
معن مصطفى الحسون.. مترجم سوري “1961- 2004” وُلد في مدينة الرقة عام 1961 ودرس في مدارسها، ثم تابع دراسته في إيطاليا، تخصص في الطب النفسي.
حصل أيضاً على إجازة عامة في التاريخ من جامعة دمشق، ما أتاح له الجمع بين المعرفة الأدبية والتاريخية والعلم النفسي، مما انعكس على أعماله الأدبية وترجماته، يعتبر معن واحداً من أبرز كتاب القصة القصيرة في الرقة، توفي بحادث سير في عام 2004.