الثورة – رانيا حكمت صقر:
في مدينة حماة السورية، حيث تزخر الأرض بالتاريخ والحرف التي تحكي قصص الأجيال، يقف الحرفي حسان حوا وحيداً كحافظ لمهنة الطباعة اليدوية على القماش، التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين.
حوا.. لا يرى في عمله مجرد مهنة بل علاقة روحية تنقل عبق الأجداد وحكايات التراث الأصيل عبر ألوان طبيعية ومواد تقليدية، في مواجهة تحديات العصر الحديث التي كادت أن تمحو هذه الحرفة الفريدة. وفي حديثه لـ “الثورة”، بين حوا أن الطباعة اليدوية على القماش من أقدم الحرف التي عرفها الإنسان، إذ بدأ الإنسان القديم باستخدام قوالب خشبية وأصباغ طبيعية لتزيين الأقمشة، هذه الحرفة التي تعود لأكثر من 5000 سنة لاتزال تجد صداها بين يدي فقد ورثتها و- القول لحوا- عن والدي وسأنقلها للأجيال القادمة.
يستخدم حوا تقنيات تقليدية متوارثة بعناية، تبدأ بالقوالب الخشبية المصنوعة يدوياً، والتي بعضها تعود لحقب زمنية قديمة جداً، إذ يرى في هذه القوالب أرواح أجداده التي ترافقه مع كل طبعة.أما الأصبغة المستخدمة فهي من الطبيعة نفسها، مستخرجة من قشر الجوز، الرمان، والتين، إذ تقدم ألواناً طبيعية غنية ومستدامة، تعكس أصالة الحرفة وعمقها، بالإضافة إلى الأصباغ الحديثة المشابهة للأساس النباتي، تكون الألوان الرئيسية التي تستخدم في الطباعة هي الأحمر، الأخضر، الأزرق والأسود، وهي ألوان تحمل تاريخاً وجمالاً فريداً.
يروي حوا أن البعض من العائلات في حماة يمارسون هذه الحرفة، وهنالك ست أو خمس عائلات فقط وكان يمارسها الأجداد، لكن الظروف الاقتصادية الصعبة والمردود المالي المحدود أجبر الغالبية على تركها، إلا أن حوا يصر على الاستمرار، مستلهماً من عمق الارتباط الروحي الذي يحمله لهذه المهنة، التي يرى فيها ليس فناً وحسب، بل هو وجود وذِكرى حيّة لأجداده وعبق التاريخ والهوية السورية.
تجربة حوا لا تخلو من التحديّات، خاصة مع انقطاع حركة السياحة التي كانت تعتبر الشريان الأساسي لاستمرار الحرفة واستقطاب الزبائن من مختلف أنحاء العالم، لقد أدى هذا الركود إلى تهديد استمرار مهنته، لكن الأمل لم يفارقه، فهو يحلم بإعادة إحياء الطباعة اليدوية، ونشرها مجدداً داخل سوريا وخارجها ضمن مشروع نهوض سوريا الجديدة، بهدف إقامة جسور حضارية للتعريف بالتاريخ والتراث العريق الذي تمثله مهنته.
في حديثه عن الحرفة، يصف حوا الطباعة اليدوية على القماش أنها “علاقة روحية تتغلغل في وجداني”، ويشير إلى أنها محمولة على رائحة الأجداد والأرض، والتي تبقى حية في أقمشة الطباعة وتاريخها، هذه الطقوس الفنية تُظهر جانباً من هوية سوريا الثقافية الأصيلة، وتبرز جمال الحرف اليدوية التي تتحدى زمن الآلة والتقنيات الحديثة. الحرف التقليدية إرث ثقافي وروحي عميق يجب حمايته والاعتزاز به، ينبض تاريخ الألوان الطبيعية وروح الأقمشة فيه والتي تحكي قصة وطن وتقاليده، معبراً حوا في نهاية حديثه عن أمل جديد في أن يبقى تراث الطباعة اليدوية مشعلاً يضيء الأجيال القادمة، مذكّراً العالم بمكانة سوريا العريقة في عالم الحرف والفنون.