عبد الرحمن عبد الرحمن – كاتب صحفي
تعيش سورية اليوم حدثًا مفصليًا في تاريخها الحديث مع انطلاق أول انتخابات لمجلس الشعب بعد سقوط نظام الأسد الذي حكم البلاد لأكثر من خمسين عامًا، ويذكّر هذا المشهد بتجارب أمم أخرى خرجت من عباءة الاستبداد إلى فضاء الحرية، مثل جنوب إفريقيا التي خاضت أول انتخابات حرّة بعد انتهاء حقبة الفصل العنصري، لتبدأ بذلك مسيرة بناء ديمقراطية حقيقية رغم صعوبة البداية.
إنّ انتخابات اليوم ليست مجرّد استحقاق دستوري، بل هي خطوة تأسيسية لصياغة ملامح سورية الجديدة، والفائزون فيها أمام فرصة تاريخية ليكونوا أسماء ذهبية في سجل الوطن، إذا ما استطاعوا أن يعكسوا إرادة الشعب، وكانوا صوتًا له لا صدى للسلطة التنفيذية، وتحلّوا بالنزاهة والمسؤولية في أداء مهامهم وفق القوانين واللوائح والتشريعات. ورغم الانتقادات التي تطال هذه الانتخابات بوصفها قائمة على هيئات ناخبة لا على تصويت مباشر من جميع المواطنين، إلا أنّ هذا الطرح يتجاهل واقعًا لا يمكن إنكاره، فما زال ملايين السوريين يعيشون صفة اللجوء في بلدان الاغتراب، بينما لم يتمكن مئات الآلاف حتى الآن من تسوية أوضاعهم المدنية أو القانونية اللازمة للترشّح والاقتراع.
إنّ هذه الانتخابات تمهّد لمرحلة قادمة يكون فيها كل سوري صاحب حقّ في التصويت، فالديمقراطية لا تُمنح دفعة واحدة لشعب حُرم من ممارستها لعقود، لأنّ ذلك قد يؤدي إلى اضطراب في الوعي الانتخابي، ومن الحكمة أن تبدأ التجربة تدريجيًا، لتُرسّخ ثقافة المشاركة السياسية خطوة بخطوة حتى تكتمل الصورة.
أخيرًا، يبقى الرهان الأكبر على الشعب السوري الذي صمد وضحّى وأصرّ على استعادة كرامته وقراره الوطني، لقد انتصرت الثورة حين أعادت للشعب صوته، وها هو اليوم يكتب بمداد الأمل فصله الأول في تاريخ الديمقراطية السورية.