الثورة – جهاد اصطيف:
بين خيوط تمتد من ذاكرة المكان إلى أصابع الحاضر، تروي حرفة النسيج غير المنسوجة في سوريا قصة من الإبداع والصلابة، صنعت بخيوط الصوف وحب العمل، وحافظت على حضورها رغم تعاقب الأجيال وتغير الأزمنة.

يتحدث الصناعي الحلبي أحمد سمير بيطار، المولود عام 1949، من قلب المدينة الصناعية في الشيخ نجار عن تجربته الطويلة مع هذه الحرفة التي رافقته منذ كان في السابعة عشر من عمره، فيقول: هذه الحرفة في سوريا عريقة، تراثية قديمة، في البداية كانوا يصنعون اللباد من شعيرات صوف المعز، يستعملونه كبساط في البيوت والخيام، اليوم نسميها صناعة النسج غير المنسوجة، وهي عبارة عن شعيرات ترتب بشكل منتظم، وتدق بكثافة لتكتسب المتانة.
كانت البدايات بسيطة، تعتمد على الجهد اليدوي الخالص، فالحرفيون كانوا يمدون الشعيرات على قماش خام، ثم يلفونه ويدقونه بالأقدام لتتشابك الألياف وتتماسك، بعد ذلك يفك اللباد، وتحدد المقاسات المطلوبة، ليباع في الأسواق كمنتج منزلي أو بدوي متين.

يضيف بيطار بفخر: “أبي وجدي وجد أبي جميعهم في هذه المصلحة، هي حرفة متوارثة منذ أكثر من مئتي عام، أي من عام 1800 تقريباً، وقد توفي جدي في الحرب العالمية الأولى، وكان أول من صنع اللباد في منطقتنا”.
ومع مرور الوقت، تفرعت هذه الحرفة إلى أنواع متعددة من الصناعات، واستطاعت أن تتأقلم مع تطور أدوات النسيج، فبينما غابت بعض الحرف القديمة تحت ضغط الصناعة الحديثة، بقيت صناعة النسج غير المنسوجة صامدة، تواكب الحداثة دون أن تفقد روحها الأصيلة.
يؤكد بيطار أن الحفاظ على هذا التراث مسؤولية أخلاقية وثقافية قبل أن تكون مصلحة مادية، ويقول: كل قطعة ننسجها تحمل بصمة من الماضي، وحكاية تعب واعتزاز، هذا التراث لا يشترى ولا ينسى.
في زمن تتسارع فيه الآلات، تبقى يد الحرفي السوري التي تمسك بخيوط الصوف هي الشاهد الأصدق على حكاية وطن صاغ نسيجه بالإتقان والحب، فمن النول اليدوي إلى الأقمشة غير المنسوجة، تمتد رحلة النسيج السوري شاهدة على تاريخ من الصبر، والإبداع، والهوية.
