ثورة أون لاين – نضال نعيسة
قبل أن ينجلي دخان الهجمات الإرهابية المتزامنة التي ضربت باريس، مساء يوم الجمعة الفائت من قبل دواعش هولاند وأوباما وأردوغان ومشيخات الخليج، أنفسهم، كانت باريس نفسها تمطر بوابل آخر من برقيات العزاء والمواساة والألم على ما جرى وعلى دماء وضحايا الأبرياء الذين سقطوا في تلك الليلة الدامية السوداء.
وحقيقة، وعلى المستوى الفردي، لا يمكن لأي إنسان سويّ إلا أن يشاطر الجميع، وتغمره تلك الحالة الوجدانية والمشاعر الإنسانية حيال سقوط وزهق أرواح بشرية بتلك الطريقة البشعة والمرعبة. وعلى صعيد آخر، فقد كان هذا هو موقف الدولة الرسمية السورية، المكتوية بنار هذا الإرهاب ومنذ خمس سنوات تقريباً، فأدانته على الفور، وتضامنت مع ذوي الضحايا، وعلى أعلى المستويات الرسمية، وهذا أقل ما يقتضيه الواجب، والموقف الإنساني البسيط، والخلق الآدمي الرفيع.
لكن، وبنفس الوقت، وبكل أسف، لا يمكن للمرء أن يبلع ويهضم تلك المفارقات والمرارات والمواجع التي ستبرز على الفور، عند استذكار واسترجاع مواقف بعض تلك الدول التي كانت ركيزة، وساهمت، ودعمت وشاركت في إشعال فتيل ونيران هذا الإرهاب الذي وصلت شرارته إلى باريس اليوم، وكان قد ضرب سابقاً مجلة شارلي آبدو الكاريكاتورية، دون أن تعني رسالة "آبدو" أي شيء لـ"أولاند" وحلفائه الغربيين المتباكين على ضحايا باريس اليوم، وربما وجدوا حرجاً وغضاضة لو حاولوا فك رموز وحروف تلك الرسالة.
فما يحز في النفس، ويعتمل في الوجدان، أن هجمات باريس المتزامنة، وعلى فداحتها، وفظاعتها، وبشاعتها، قد لا تساوي، بالمقارنات البسيطة، عشر بالمليار مما كان يحصل في سورية على مدى الأعوام الفائتة فيما عرف بـ"ربيع العرب"، أو عصر "الثورات"، ولا تشكل في المحصلة سوى رأس جبل الجليد الظاهر من جيوش الإرهاب الدولي الذي أشرف على إشادته ذات هؤلاء المتباكين اليوم على ضحايا باريس من أصحاب القلوب الرقيقة.
فمنذ الأيام الأولى للحرب العدوانية الغادرة، وبـُعيد أسابيع على انطلاق الحملة البربرية الظالمة، قام ذات الدواعش الإرهابيون، بمذبحة جسر الشغور المروعة، ومن بعدها، مذبحة نهر العاصي، وتتالت مجازرهم وكانت تتنقل من عدرا لريف الساحل ودير الزور وحمص والرقة إلخ، وأصبحت "خبراً" عادياً في الصحابة الغربية لم يهز مشاعر أوباما، مرة واحدة، ولا كاميرون، ولم تنتخي لأجلها ميركل، وصمت عنها هولاند صمت الشياطين الخرساء، هو أو سواه من رموز الحرب والعدوان على سورية، لا بل كانوا خير نصير وظهير يلوذون بالصمت المطبق المريب، ويشجعون الإرهابيين ويهللون لهم، ويغطـّون عليهم إعلامياً، في إمبراطوريات البترودولار "المردوخية" ويتسترون عليهم دبلوماسياً في مجلس الأمن والأمم المتحدة وبقية المحافل الدولية، ويحمون ذات "الدواعش" قانونياً في المنظمات الحقوقية، ويضلـِّلون العدالة الدولية، والرأي العام المحلي والعالمي، عبر تزييف الواقع وقلب الحقائق ويتمادون في فيهم وضلالهم وتزويرهم للوقائع وتحميل الدولة السورية وزر ومسؤولية كل ما يحصل من قتل وإرهاب ودمار، وتبرئة وتلميع هذا الإرهاب ورعاته "الدواعش" الكبار من بني سعود، وسلالات "العدالة" الإخوانية لصاحبها السلطان العثماني الجديد أردوغان.
ليس الدم السوري مباحاً أو رخيصاً، لا سمح الله، ولا يوجد دماء زرقاء وأخرى غير زرقاء وضحايا خمس نجوم وأربع وعشرين قيراط، وضحايا آخرين غير مصنفين وأقل "عيار"، ومن هنا، فمعظم الدموع التي يذرفها رموز ورعاة "الدواعش" والإرهاب الدولي الكبار المعروفين لا تساهم، اليوم حقيقة، والحال، إلا في كشف زيف ورياء وانحطاط ونفاق وتناقض الغرب الأخلاقي وسقوطه المدوي والمهين.
![](https://thawra.sy/wp-content/uploads/2022/02/photo_٢٠٢٢-٠٢-٢٥_٢١-٥١-٢٣-150x150.jpg)